مدار الساعة - كتب: الاستاذ الدكتور خالد ناصر الزعبي يكتب - في مساء حمل عبق الذكرى، وفي قصر الثقافة بمدينة الحسين للشباب، اجتمع الوطن بكل أطيافه ليؤبن رجلًا لم يكن مجرد اسم في مسيرة الدولة، بل كان جزءًا لا يتجزأ من نسيجها السياسي والدبلوماسي. هناك، حيث الكلمات تختنق بالعبرات، وقف الجميع إجلالًا لذكرى زيد الرفاعي، ذلك الرجل الذي رحل جسدًا لكنه ترك خلفه إرثًا يروي قصة وطن ومواطن أحب كل ذرة من ترابه.
ترعرع الرفاعي في كنف عائلة جعلت من حب الوطن والتفاني له إرثًا عائليًا، فتفتحت عيناه على قيم الانتماء والنزاهة. حمل العلم سلاحا على كتفه من عمان إلى أمريكا مرورا بالقاهرة ليدرس القانون و العلاقات الدولية متيقنا أن القانون هو العمود الفقري للعدالة و أن الدبلوماسية سلك فولاذي مفتول العضلات يشد الدول ويربطها. وتستمر مسيرة الرفاعي من العلم إلى العمل بلا كلل في رحلة استثنائية امتدت عقودًا، خطّ زيد الرفاعي فيها سطورًا مشرقة في كتاب الدولة الأردنية، جامعًا بين الحنكة السياسية والرؤية الدبلوماسية التي رسمت ملامح مرحلة من تاريخ الأردن.
بدأ مسيرته في أروقة وزارة الخارجية الأردنية، حيث حمل اسم وطنه عبر المحافل، متنقلًا بين سفارات المملكة في القاهرة وبيروت والأمم المتحدة، حاملًا رسالة الوطن إلى العالم بحكمة الدبلوماسي وفطنة السياسي حتى حط الرحال في محطته التالية في قصر الديوان الملكي الهاشمي، حيث خطى نحو مسؤوليات أعظم، فشغل مناصب رئيس التشريفات الملكية، وأمين عام الديوان الملكي، ليصل إلى ذروة الثقة كرئيس للديوان الملكي، متمسكًا بقربه من الملك الحسين بن طلال ،طيب الله ثراه، مشاركًا في صياغة قرارات وطنية حملت رؤية المستقبل وأمانة التاريخ. لم يكتف الرفاعي بخدمة الوطن في جوفه بل حمل نبضه وغادره سفيرا في لندن ليبدع في أهم عواصم القرار فينال على أثرها شرف أن يكون مستشارا لجلالة الملك مسخرا كل خبرته في خدمة دولة تصبو للتقدم و التطور.
لقد كان الرفاعي مسؤولا فوق العادة، قائد مفترقات الطرق حيث شكل أولى حكوماته في مرحلة شهدت تحديات جسامًا على المستوى الإقليمي والدولي حيث جسد كل معاني رجل الدولة الفذ، رحالة بفكر سياسي وحنكة استثنائية يترك في كل موقع يمر به قصة بناء ورواية أمل وقصيدة وطن. استمرت أعوام الحكمة و الريادة حين انتقل الرفاعي إلى حقول العمل التشريعي بعد سنوات من العطاء التنفيذي حيث أضاف فصلاً جديدًا إلى كتاب حياته المسمى "أردن" ، فبدأ عضوا في مجلس الأعيان ثم ارتقى إلى قمة الهرم، متقلدًا رئاسته. هناك، قاد المجلس بحكمة القائد ونضج السياسي، مسهمًا في صياغة تشريعات حملت أبعادًا وطنية، وشهدت نقاشات مفصلية أسست لمستقبل أفضل، وعززت مناخ الحريات، ورسخت أسس القانون وسيادة الدولة.
ولم يثنيه عمله في خدمة الدولة من أن ينشأ خلفا فذا ، جنديا مخلصا و سياسيا مخضرما يستلم الأمانة قبل أن يترجل عن مسيرة امتدت أكثر من نصف قرن ، فكان الخلف لخير سلف، ابنه دولة سمير زيد الرفاعي المستند على حبه للهواشم ورؤية قيادية و تعلق لا محدود بالوطن ، قائد وطني رائد درس العلاقات الدولية في أقوى الجامعات كي يسخرها في خدمة وطنه الحبيب و تحقيق الرفعة له حيث بدأ مسيرته المهنية في مكتب ولي العهد، ثم تولى منصب أمين عام الديوان الملكي، حيث أشرف على إعادة هيكلته وعُين وزيرًا للبلاط ومستشارًا للملك، ثم رئيسًا للوزراء. دولة سمير الرفاعي الذي ورث حبه للهاشميين وإخلاصه للوطن ومليكه وولي عهده شغل مناصب قيادية في شركات كبرى، وأسهم في تعزيز قطاعات الطاقة والعقارات والبنية التحتية. حيث حاز على أوسمة رفيعة، منها وسام الكوكب الأردني ووسام الاستقلال، تقديرًا لجهوده الوطنية.
لقد جاء تكريم رجل دولة وطنية لا تعرف حدودًا ، في حفل تأبين مهيب وصفه فيه أمير القلوب ، الأمير الحسن بن طلال بأنه "رمز للحنكة والكرامة، وركيزة من ركائز البناء الوطني"، بينما استذكر رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان "رفيق الحسين، الذي وضع أسس مملكة قوية ثابتة الجذور، عصية على التحديات".
لن نقول لك وداعا ، بل سنقول العهد يتجدد و قافلة الوطن بجنودها ستسير حاملة قصة قائد ألهم الأجيال وترك إرثا لا يمحوه الزمان بأن الأردن سيبقى وطنًا عصيًا على التحديات، مشعًا بمبادئه، متطلعًا بثبات نحو المستقبل.
وداعًا زيد الرفاعي... ستبقى في ذاكرة الوطن، علامة فارقة لا تُنسى.