في عصر الاتصالات الذي نعيشه الآن، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي أداة فاعلة تُغيّر مصائر الأفراد، وحتى المجتمعات والدول، بطرق لم تكن متاحة من قبل.
فمن منا لم يقرأ يوما عن حالة إنسانية نُشرت عبر هذه المنصات، وكيف تحولت إلى حملة تضامنية كبيرة تُلهب مشاعر الناس وتدفعهم للمساعدة؟ بل نجد حتى المسؤولين والجهات الرسمية الذين لا نسمع لهم صوتا عند المناشدات المباشرة، يتحركون فجأة ويتفاعلون استجابةً للضجة الإعلامية.
لكن، هل أصبح من الضروري أن "نُظهِر معاناتنا" علناً لكي نحصل على المساعدة؟ هل فقدت المؤسسات دورها الحقيقي في مساعدة المحتاجين إلا تحت ضغط الرأي العام؟
بين اللامبالاة والتحرك
عندما يلجأ المواطن إلى الجهات المعنية، فإنه يفعل ذلك لثقته بأنها المسؤولة عن حماية حقوقه وتأمين احتياجاته.
لكن الواقع المرير هو أن كثيراً من هذه المحاولات تُقابَل بصمت أو تسويف، وكأن صوت المحتاجين لا يصل إلا إذا صدحت به منصات التواصل الاجتماعي. وحينذاك فقط يتحرك المعنيون، أكان بدافع الخجل من الانتقاد أو لتجنب الإحراج.
قوة السوشيال ميديا.. نعمة أم نقمة؟
لا شك أن السوشيال ميديا أسهمت في تسليط الضوء على قضايا كانت تمر مرور الكرام، وساعدت في إنقاذ أرواح وتوفير علاج ومأوى لآلاف الأشخاص. لكنها في الوقت ذاته أصبحت وسيلة يلجأ إليها من لا يجد أبواباً مفتوحة في وجهه، ما يثير تساؤلات عميقة حول دور الدولة ومؤسساتها في رعاية مواطنيها.
هل يُعقل أن تُختزل العدالة الاجتماعية في "بوست" أو "تغريدة"؟ وماذا عن أولئك الذين لا يملكون القدرة على استخدام هذه الأدوات أو يخجلون من نشر معاناتهم؟ أليس من حقهم أن يجدوا من ينصت إليهم بدون أن يُجبروا على مشاركة قصصهم علنا؟
مسؤولية جماعية
علينا أن ندرك أن السوشيال ميديا ليست الحل الجذري. الحل يكمن في إصلاح منظومة العمل المؤسسي بحيث تكون هناك استجابة فورية لاحتياجات الناس بدون الحاجة إلى "إحراج" المعنيين عبر الإنترنت.
كما أن على الأفراد ألا ينساقوا خلف "ظاهرة المساعدات الرقمية" فقط، بل يجب أن تكون هناك أفعال ملموسة ومتابعة حقيقية للحالات الإنسانية.
إلى كل الجهات المسؤولة: المساعدة ليست ترفاً أو خياراً، بل هي واجب.
وإلى كل من يحتاج إلى يد العون: لا تخجل من المطالبة بحقك، أكان في العلن أو السر. فكلنا "ضحى" بحاجة إلى عمل ومأوى وعلاج. لكن؛ هل سنظل بحاجة إلى فضح معاناتنا على الملأ حتى نُسمع وتجد طريقها إلى الحل والمعالجة؟