لا يخفى على متابع أننا نعيش حالة عدمية من التجييش السلبي والاستقواء الفارغ والمنظم الممارس من قبل أفراد او جماعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ بهدف الشعبوية وتحقيق مصالح سياسة ضيقة احيانا وأحيانا أخرى بهدف إثارة النزاعات والفتن على المستوى العام.
هذه الحالة ربما تكون وليدة ضعف التنظيم القانوني والمؤسسي، أو نتيجة لغياب صوت العقل عن هذه المواقع بسبب نهج النأي بالنفس او لغياب القدرات الفنية والمادية.
جوهر القضية أن بروز لون واحد من الآراء يعزز حالة التفرد النرجسية الرافضة للحوار، ويفرض لون فكري قادر على استثمار هذه الوسائل بمساحة واسعة من الاستغلال السلبي.
الأمر لا يرتبط فقط بالفكر والحوار، وإنما يتجاوز ذلك باتجاه استثمار القيم المجتمعية والدينية لصالح التيار القادر على استثمارها وتوظيفها بما يخدم مشروعه، ويهمش كل مشروع تحديثي حتى وإن ولد من رحم القوى التقليدية المتمسكة بنفس منظومة القيم ولكن باعتدال ووعي.
كما أن مؤسسات الدولة الأردنية هي أيضا معرضة لحملات موجهة رغم انها أكثر رسوخا وقوة من كل الإشاعات والهجمات، وأن النهج المؤسسي القيمي الذي تتبناه الدولة الأردنية ليس محل شك او تشكيك.
وبالتالي فإننا في ذات الوقت مطالبون بتفعيل الماكينة الإعلامية الرسمية لحماية التنوع الفكري الأردني، وتوظيفها لخدمة المجتمع ككل متكامل بأفراده وقواه ومؤسساته دون تحيز او تمييز.
كما أننا بحاجة إلى زيادة تمكين مؤسساتنا فنيا ومهاريا من التعامل مع الإشاعات والهجمات الإعلامية، وتطوير قدرات العاملين في مجال العلاقات العامة والإعلام والناطقين الإعلاميين لممارسة أدوارهم كعقول للمؤسسات وصناع رسالة.
بالإضافة إلى تطوير قدراتهم في إدارة الأزمات المهنية بفعالية، بحيث نضمن نجاحهم في التعامل مع الخطاب الإعلامي السلبي الموجه لهذه المؤسسات، بعيدا عن سياسة ردات الفعل الخجولة او الصمت السلبي أحيانا، مع توظيف التقنيات الإعلامية الحديثة لخدمة هذا الهدف.
المطلوب أيضا وعلى المستوى الإعلامي دور أكثر فعالية لهيئة الإعلام الأردني، خاصة في إعداد خطط التوجيه الوطني ومتابعة تنفيذها وبناء برامج تدريبية متخصصة ودراسات علمية لتقييم واقع المحتوى الإعلامي وأثره، وتفعيل لجان الشكاوى، وربما بناء علاقة تكاملية مع كليات وأقسام الإعلام في الجامعات المختلفة، وتوظيف قدرات أساتذتها وطلابها في هذا المجال.
هناك دور كبير أيضا على أساتذة الجامعات وعمادات شؤون الطلبة في الحد من انتشار هذه الحالة الاستقوائية، والمساهمة في تعزيز الهوية الوطنية الجامعة وفق الأولويات الأردنية، وذلك من خلال برامج ومبادرات تثقيفية موجهة لشبابنا بشكل عميق ومحوري.
هذا الدور كما اعتقد يجب أن يمارسه مجلس النواب أيضا بحيث يكون له بصمة أكثر وضوحا فيه من خلال حراك اجتماعي وسياسي حقيقي لأعضاء المجلس ولجانه.
خلاصة القول في ظل هذا المشهد، أنه لا يمكن أبدا القبول بأي خطاب سلبي او شعبوي لأي قوة اجتماعية او سياسية او حتى لأفراد، ولا يجوز للتجمعات السياسية والاجتماعية وفي مقدمتها الأحزاب التراجع عن المواجهة الفكرية وعن تقديم المصلحة الوطنية على أي مصالح، وهو المطلوب أيضا من قادة الرأي العام، ولا يجوز أن تتغول على مؤسساتنا الوطنية أي محاولات لعرقلة منظومة العمل فيها، وبالتالي فإن الاعتراف بوجود المشكلة هو أول خطوات مواجهتها، لكن يجب أن يتبعه كذلك استراتيجية واضحة للمواجهة وإعادة تشكيل المشهد، بما يجدد دور الشخصية الوطنية الأردنية ويخدم مشروعنا الوطني الأردني في التحديث والتنمية.