مدار الساعة - كتب: النائب علي سليمان الغزاوي - في ظل التحديات البيئية التي يواجهها كوكبنا، ألقى سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد ، كلمة قوية ومؤثرة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ التاسع والعشرين (COP29) الذي عُقد في العاصمة الأذربيجانية باكو. جاءت الكلمة لتكون بمثابة دعوة مُلِحّة للمجتمع الدولي للعمل المشترك من أجل حماية الأرض وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة. وقد شكّلت هذه الكلمة محطة فارقة في مسار النقاشات المناخية العالمية، لما تميزت به من وضوح في الرسائل وأهمية في الموضوعات المطروحة.
بدأ سمو الأمير الحسين كلمته بتوجيه الشكر إلى حكومة أذربيجان والشعب الأذربيجاني على استضافة هذا المؤتمر المهم، مشددًا على أن العالم يقف اليوم أمام مفترق طرق في مواجهة تحديات المناخ. في هذا السياق، أبرز سموه أن التضامن بين الأمم هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يضمن نجاح الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ. لكن الأهم في كلمته هو التأكيد على حقيقة غياب التعاون الفعّال في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى تراجع الثقة في قدرة المجتمع الدولي على الوفاء بالتزاماته الإنسانية والمناخية.
في هذه اللحظة التاريخية، لامس سمو الأمير نقطةً حساسة في قلوب الحضور، حين أشار إلى فشل المجتمع الدولي في مواجهة الانتهاكات الإنسانية المستمرة، بما في ذلك الوضع الصعب في غزة. فالتأكيد على أن "جميع الأرواح تستحق الإنقاذ" كان بمثابة رسالة أخلاقية تدعو العالم إلى التحرك الفوري والتضامن ليس فقط من أجل حماية البيئة، بل أيضًا من أجل العدالة الإنسانية. وقد اختار سموه إلقاء الضوء على الوضع الصعب في غزة كدليل على تداخل القضايا الإنسانية والبيئية، حيث لا يمكن أن تنفصل مشكلات مثل الحرب والتلوث البيئي عن بعضها البعض.
وتحت عنوان "أثر النزاع على البيئة"، شدد سمو الأمير الحسين على أن النزاعات المسلحة لا تؤدي فقط إلى تدمير الأرواح والمجتمعات، بل تؤدي أيضًا إلى تدمير البيئة. وأشار إلى دراسة حديثة أجراها برنامج الأمم المتحدة للبيئة حول تلوث الأرض والمياه والهواء في غزة، مُبرزاً كيف أن الحروب تؤدي إلى تدمير البنية التحتية الحيوية مثل أنظمة الصرف الصحي، مما يزيد من تعقيد مشكلة التغير المناخي. وفي هذا الصدد، لفت سموه إلى أن إعادة بناء غزة ستساهم في زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير، ما يفاقم من الأزمة البيئية العالمية.
هذا التأكيد على العلاقة الوثيقة بين النزاع والمناخ يعكس فهمًا عميقًا للتحديات المركبة التي تواجهها العديد من الدول التي تقع في مناطق النزاعات. كان سمو الأمير الحسين واضحًا في أن الحلول البيئية يجب أن تكون جزءًا من الحلول السياسية والإنسانية الشاملة.
ولعلَّ من بين أبرز ما جاء في كلمة سمو ولي العهد هو تسليط الضوء على قضايا اللاجئين وأثر تغير المناخ على هذه الفئة من البشر. فقد أشار سموه إلى المبادرة التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر "COP27"، وهي مبادرة "مترابطة المناخ - اللاجئين"، والتي حظيت بدعم واسع من 58 دولة. ودعا سموه إلى مزيد من الدعم الدولي لهذه المبادرة، مؤكدًا أن اللاجئين هم من أكثر الفئات عرضة للتأثر بتغير المناخ.
كما أشار سموه إلى أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص يعيشون في الأردن هو من اللاجئين، مما يضع ضغوطاً هائلة على الموارد المحدودة في البلاد، خصوصاً في مجالات المياه والصحة والتعليم. ورغم التقدم الذي أحرزته المملكة في مجالات الطاقة النظيفة والزراعة المستدامة، فإن سموه أكد أن هذه الجهود لن تكون كافية دون دعم المجتمع الدولي في مواجهة التحديات المناخية والإنسانية المتشابكة.
ختم سمو الأمير الحسين كلمته بدعوة مُلِحّة لإعادة بناء الثقة في المجتمع الدولي، مؤكداً على ضرورة التزام الجميع بتنفيذ التعهدات المناخية والعمل بشكل جماعي لمواجهة التغيرات البيئية. كما شدد على أهمية المساءلة والشفافية في آليات تمويل المناخ العالمية، لا سيما بالنسبة للدول المستضيفة للاجئين والمناطق الأكثر عرضة لأضرار التغير المناخي. في هذه الدعوة، أعاد سموه التأكيد على كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني، التي تقول: "في صراع الحياة على هذه الأرض، ليس هناك متفرجون"، ما يعني أن العالم لا يمكنه أن يكون متفرجًا في مواجهة التحديات البيئية والإنسانية المتزايدة.
كانت كلمة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني في "COP29" بمثابة نداء قوي للمجتمع الدولي للعمل الجماعي لمواجهة تحديات تغير المناخ، مع التركيز على القضايا الإنسانية الملحة. وقد جمعت كلمته بين الحكمة السياسية والرؤية الإنسانية العميقة، وأظهرت أن التحديات البيئية لا يمكن معالجتها بمعزل عن القضايا السياسية والاجتماعية. وبموقفه الثابت، وضع سمو الأمير الحسين الأردن في قلب النقاشات العالمية حول المناخ والإنسانية، داعيًا إلى التضامن الفعلي بين الأمم لضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.