مالئ الدنيا وشاغل العالم, دونالد ترمب هذا.. منذ جاء الى منصبه لأول مرة في تشرين الثاني 2016, بعدما ألحقَ الهزيمة, بمَن سَكنتْ البيت الأبيض كـ«سيدة أولى».. ثماني سنوات.. (هيلاري زوجة بيل كلينتون). وخصوصا بعد تولّيها قيادة الدبلوماسية الأميركية لأربع سنوات في عهد باراك حسين اوباما. ما بالك انه/ترمب لم يغِب عن المشهديْن الأميركي والدولي, إثر هزيمته امام جو بايدن الصهيوني (الذي فاق في خدماته لكيان العدو العنصري الفاشي, كل ما قدّمه ترمب في «صفقة القرن» واتفاقات «إبراهام» التطبيعية).
وصلَ ضجيج ترمب «الشعبوي» ذروته, في أحداث السادس من كانون الثاني/2020, عندما اقتحم مُؤيدوه مبنى الكابيتول, وألحقوا به دمارا وخرابا, عكسَ من بين أمور أخرى, المدى الذي يمكن للرئيس القادم, الى «ميدان» السياسة من عالم العقارات, ومسابقات ملكة جمال العالم, والبرامج التلفزيونية المثيرة للجدل. ناهيك عما رافقَ الاحتجاجات التي تلاحقت, بعد رفضه/ترمب الاعتراف بالهزيمة, والقول انه «تم تزوير» الانتخابات, من مظاهر مُسلّحة أشّرَت الى احتمال ماثل بحدوث حرب أهلية.
ما علينا.. عاد ترمب الآن رئيسا مُنتخَبا, لكنه لم ينتظر تاريخ دخوله/عودته الى البيت الأبيض رسميا في 20 كانون الثاني 2025, ليكشف عن البرامج والخطط التي يروم تنفيذها في «ورديّته الثانية والأخيرة», بل سارعَ للتلويح بتفكيك «الدولة العميقة» الأميركية, التي يتهمها بالوقوف وراء هزيمته/عبر التزوير, في انتخابات العام/2020, بل خصوصا «جرِّه» الى أروقة المحاكِم, بهدف تشويه سمعته وإحراقه سياسيا وشعبيا, على نحو لم يتردد/ترمب في الإشارة علناً الى الدوله العميقة, «المتغلغلة/المُسيطرة على المؤسستيْن المدنية/القضائية وخصوصا ?لعسكرية.
في هذا الشأن يتكئ المُتخوّفون مما كان ترمب بذله, في حملته الانتخابية الأخيرة, من «وعود» وتعهدات/تهديدات طالت المؤسسة العسكرية الأميركية, اوعلى نحو أدق مَن وصفهم بـ"التقدّميين» من الجنرالات, بتطهير الجيش الأميركي منهم، الذين/ وفق ترمب يُركزون على العدالة العِرقِية والاجتماعية، لكنّ «المحافظين/أنصار ترمب ينظرون إليهم نظرة سلبية.
بل ثمة في المؤسسة العسكرية, مَن بات يتساءل ما إذا كان ترمب سيذهبُ إلى ما هو أبعد؟. على ما نقلت «رويترز». التي أضافت على لسان هؤلاء (دون ان تُسمّيهم) انه من المتوقع أن يكون لدى ترمب, وجهة نظر «أكثر قتامة», عن قادته العسكريين في ولايته الثانية، بعد أن واجَه مُقاومة من البنتاغون بشأن كل شيء، بدءاً من شكوكه تجاه حلف الأطلسي/الناتو, إلى استعداده نشر قوات لـ«قمع الاحتجاجات» في الشوارع الأميركية. ناهيك ــ ودائما وفق رويترز ــ ان جنرالات سابقين في ولاية ترمب الأولى, ووزراء دفاع في الولايات المتحدة, كانوا من بين «أ?دّ مُنتقِديه»، حداً وصلَ ببعضهم الى وصفه بأنه «فاشي», وأعلنوا أنه «غير لائق» للمنصب. ما أثار غضب ترمب، ودفعه للقول: إن رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق «في ولايته الأولى/مارك ميلي».... يُمكن «إعدامه بتهمة الخيانة». الأمر الذي يدفع للاستنتاج على ما قال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون, إن ترمب سيُعطي «الولاء», أولوية في فترته الثانية، ويتخلّص من العسكريين والمُوظفين الذين يرى أنهم «غير مُخلصين له».
وإذ لن يتوقف ترمب عند تفكيك الجانب العسكري من الدولة العميقة الأميركية, فإن المخاوف تتصاعد كذلك, إزاء ما كان أعلنَه خلال حملته الانتخابية, عن نيّته «تجريد» عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين من «حماية/حقوق» الخدمة المدنية، ما سَـ«يسهِّل فصلهم». فضلا عن تقليص حجم القوى العاملة «الفيدرالية»، كونه يَنظر إليهم كـ«عِبء»، أضِف أيضا رغبته بطرد مَن يُصنِّفهم كـَ«أعداء» يتقلدون وظائف حكومية. الأمر الذي سيُفضي في النهاية الى تقويض الدولة العميقة.
ما تعريف... «الدولة العميقة»؟.
يقول الفيلسوف الروسي المعاصر/الكسندر دوغين في مقالة له, (وفق ترجمة د. زياد الزبيدي): يُستخدَم تعبير «الدولة العميقة» بشكل متزايد في المجال السياسي اليوم, وينتقل تدريجيًا من الصحافة إلى لغة سياسية مقبولة عمومًا. في الوقت نفسه، أصبح المُصطلح نفسه غير واضح, وبدأ الجميع يفهمونه بطريقتهم الخاصة.
الدولة العميقة ــ يُضيف دوغين ــ ممكنة فقط في الديمقراطية الليبرالية، وإن كانت اسمية. عندما نتعامل مع أنظمة سياسية شمولية علنية – كما في حالة الفاشية أو الشيوعية ــ فلا تُوجد حاجة للدولة العميقة. هنا، يتم الاعتراف علنًا بمجموعة أيديولوجية صارمة, تضع نفسها فوق القوانين الرسمية باعتبارها أعلى سلطة. ويؤكد نظام الحزب الواحد على هذا النموذج من الحكم ــ ولا يُفترض وجود أي معارضة أيديولوجية أو سياسية.
فقط في المجتمعات الديمقراطية ــ يتابع الكاتب ــ حيث من المُفترض ألا تكون هناك أيديولوجية حاكمة، تظهر الدولة العميقة كظاهرة «شمولية خفيّة»، فقط «لا» ترفض الديمقراطية والنظام المتعدد الأحزاب ككل، بل «تُديرهما وتتلاعب بهما» وفقًا لتقديرها الخاص. تكشف الليبرالية ــ يلفِتِ صاحبنا ــ عن طابعها الشمولي والإيديولوجي الصريح, فقط عندما ينشأ «تناقض» بينها وبين العمليات السياسية الديمقراطية في المجتمع. الليبرالية والديمقراطية ليسا نفس الشيء، لأن «الديمقراطية في بعض الحالات, قد لا تكون ليبرالية على الإطلاق».
kharroub@jpf.com.jo