مدار الساعة - كتب: رسمي محاسنة - وزارة الثقافة وزارة سيادية، لها علاقة ببناء الشخصية الوطنية،وتكريس الهوية، وابراز التراث،والمساهمة بخلق حالة تفاعلية على مساحة الوطن، يكون عنوانها الابداع والمبدعين.
في الفترة الاخيرة، تعيش وزارة الثقافة حالة من الارتباك والتخبط والتراجع على معظم مستويات الفعل الثقافي،هذه المؤشرات التي بدأت مع اختيار اربد عاصمة للثقافة العربية،والتي كانت مؤشرا واضحا على بداية مرحلة من التراجع سواء بالتنظيم الذي ظهرت بوادره بحفل الافتتاح البائس ، او البرامج الضعيفة، او سؤ ادارة الانفاق بتلك المبالغ التي تم دفعها لاعمال لاتستحق.وبالرغم من تزامن ذلك مع اختيار "عرار" رمزا للثقافة العربية،ولم نشاهد في اربد اسم كاتب كبير،يليق بهذه المناسبة الاستثنائية.
هذا المؤشر ترافق مع تراجع المسرح، والسينما، ومهرجانات وزارة الثقافة،وتغييب ماهو جاد وحقيقي، وتسمين فرق مسرحية بعينها،ومبالغ دفعت لاعمال مسرحية لتشارك في مهرجانات عربية، لم تعد الا باسئلة دون اجابات عن مبررات المشاركة باعمال لاتمثل حقيقة المسرح الاردني، ورغم ذلك كان هناك اصرار على تغطية هذه الاعمال تحت مسمى "المشاركة الاردنية"،اضافة الى الغاء مهرجان الفيلم الاردني،ومؤخرا الغاء مهرجان المحترفين،والاختباء خلف مصطلح ملتبس اسموه" المواسم المسرحية"، والاصرار على اصدار الدوريات التي لايقرأها احد،وكثير من الامور التي تحتاج الى جهد كبير لاصلاح العطب الذي اصاب الثقافة، وفوق هذا كله "وزارة الظل" المقيمة في مكتب مدير الوزير.
وياتي تسلم الوزير الجديد في مرحلة قد تم انفاق موازنتها ولم يبق الا القليل الذي سلم من "بعثرة الميزانية"دون معايير تخدم الثقافة الاردنية،ولكن قد تكون هذه الفترة مساحة لاعادة ترتيب بيت الثقافة الاردنية، لما هو معروف عن نزاهة الوزير "مصطفى الرواشدة"،وان يضع استراتيجية ثقافية شاملة،تكون مرجعية للاداء والتعامل وتقييم الانجاز، وايضا كونه رجل قانون، يمكن ان يعيد ضبط الوزارة،واشغال الشواغر التي مازالت فارغه في موقع الامين العام،ومدير المركز الثقافي الملكي، وان يقوم بتفعيل التوصيف الوظيفي لمهام ومسؤولية من يشغل وظيفة مدير مكتبه، هذا المكتب الذي تحول الى "وزارة ظل للثقافة"،يتحكم في الكثير من المصالح،ويشكل حالة من الرعب للموظفين داخل الوزارة ومديرياتها، في ظل غياب الوزير، اما لضعف الشخصية ،او عدم الاهتمام،او الرضى عن مايقوم به مكتب الوزير،وان يتم فك الارتباط مابين وظيفة مدير المكتب ومدير الاعلام في الوزارة.
كما ان تجربة الوزير في مكافحة الفساد، يمكن الاستفادة منها في وقف النزيف المالي، والاعطيات والتمييز،واعادة الاحترام الى المعايير الموضوعية المرتبطة بتحقيق اهداف الوزارة،وان اعادة فتح مشاريع الوزارة،وكيفية الانفاق عليها، ومدى اهمية وجدية هذه "المشاريع" ستضع الوزير في صورة المشهد الفوضوي الذي تعيشه الوزارة،اضافة الى المكافاّت والتعيينات،وقضم جزء من ميزانية مهرجان جرش،سواء لصالح بعض المهرجانات المسرحية، او احتساب رواتب لاحد الموظفين من المهرجان، او المكافات،منها كانت مكافاة لمدير مكتب الوزير بقيمة 400 دينار شهريا،دون ان يقدموا اي جهد للمهرجان.
كما ان المشاريع المقدمة للوزارة ،كان فيها فروقات كبيرة في قيمة التمويل،وان كشف تمويل مشاريع الاغاني يظهر هذا التمايز الظاهر في معايير التمويل،وهذا يقودنا الى اللجان التي تشكلها الوزارة، سواء للنظر في المشاريع، والنصوص والاعمال المسرحية، هذه اللجان التي قادت قراراتها مديرية المسرح والفنون الى مخافر الشرطة لحل المشاكل التي خلقتها بالاقصاء لبعض النصوص لحساب نصوص اخرى، وسنرى قريبا مخرجات هذه اللجنة، ومستوى اختياراتها فيما تم اطلاق عليه اسم"الموسم المسرحي"، بديلا عن مهرجان المحترفين، هذا المهرجان الذي كان في مصاف المهرجانات العربية المميزة، لكن في السنوات الاخيرة،تراجع المهرجان من حيث مستوى العروض والتنظيم والضيوف والندوات، مثلما تم انهاء مهرجان الفيلم الاردني.
ان الحديث في مسالة العلاقة بين الوزارة وبين الفنانين والمثقفين والاعلاميين بحاجة الى اعادة نظر،وان تكون علاقة قائمة على المنجز الابداعي،وان نتخلص من العلاقة المبنية على الارتزاق، والصوت العالي،وروافع المتنفذين،التي كانت سببا في اقصاء الكثير من الاسماء،ويندرج تحت هذا الامر ايفاد اعمال مسرحية للمشاركة في مهرجانات عربية،دون التدقيق بمستوى هذه الاعمال،خاصة وانها تمثل الاردن، وايضا التدقيق في مستوى المهرجانات التي يشاركون بها،وحتى تكون الامور واضحة تماما، فاننا لم نعد من اي مهرجان عربي محترم باي جائزة او مجرد تنويه،وبعض الجوائز التي عاد بها بعض المسرحيين، هي من مشاركات في مهرجانات هامشية،تنافست مع اعمال عربية ليست بذات مستوى من حيث المقترحات الفنية والجمالية،وان هذه الجوائز، ولا المسرحيات المشاركة في "مواسمنا"المسرحية، تمثل حقيقة المسرح الاردني، وان حالة من التردي والتراجع تحتاج الى جهد كبير حتى نعود الى النقطة التي بدأ منها الانحدار.
ونامل من الوزير ان يعيد ترتيب البيت الثقافي،هذا البيت المفرغ من المثقفين،وهناك الكثير سواء عن تلك المجلات التي لايعرف بصدورها الا من يستلمون المكافأة،واعادة النظر في كثير من الاسماء التي تسللت الى لجانها،وايضا ذلك المحتوى الذي هو مجرد فائض،والقليل منه الذي له علاقة بترسيخ الهوية الثقافية الوطنية، ومثل ذلك لجنة التراث، التي تم تشكيلها،واجتمعت لمرة واحدة، وكاننا نهرب من توثيق تراثنا،الذي يسعى البعض التى انكفائه تحت عناوين" التنوع"،التي تتكرر في تصريحات الوزاره التي يكتبها احد موظفي الوزارة، وكانهم يريدون تكريس الهويات الفرعية على حساب الهوية الاردنية الراسخة.وكذلك في هذا العام تم لاسباب غير مفهومه تاخير الصرف لمشاريع مدن الثقافة الاردنية.
ويحتاج مهرجان جرش الى وقفة طويلة،حيث في دورته الاخيره كشف عن عجز او رغبة رئيسة اللجنة العليا ومدير المهرجان،في تشتيت المهرجان،واستضافة لون واحد ،ولعل تصريح رئيسة اللجنة العليا مع بدء المهرجان عن اغلاق المسرح الجنوبي عندما قالت "لانستطيع رفع صوت الموسيقى عاليا واهل غزة يبادون"، هذا التصريح الذي يلغي تاريخا من عمر المهرجان،الذي وقف على مسرحه الجنوبي عمالقة الفن العربي تتقدمهم السيدة فيروز وماجدة الرومي،وكأن بقية فعاليات دورة هذا العام في الساحة الرئيسية والمسرح الشمالي كانت صامتة،بلا صوت ولا موسيقى ،وبالتالي فان مدير المهرجان استنفذ ماعنده،ولم يعد لديه شيء يقدمه،وان المهرجان بحاجة الى قيادة جديدة توقف ضعف ادارته وبرامجه.
هناك قضايا كثيرة"سنعود اليها قريبا"،،بما يخص تهميش ثقافتنا الوطنية الاردنية، واقصاء المبدعين المسكونين بالهم الابداعي الاردني تحتاج الى وقفات اخرى..مع امنياتنا للوزير"الرواشدة"، بالتوفيق في مهمته الصعبه، وان لايغرقوه في مراسم وبرتوكولات وافتتاح و..و.. تستهلك وقته دون ان يكون منها فائدة.ونتمنى على وزير الثقافة ان يسابق الوقت،و يقوم باستثمار ماتبقى من ميزانية مهرجان المسرح،في تنفيذ مشاريع ثقافية وحقيقية قبل ان ينتهي العام وتعود الى الخزينة،خاصة وان هناك مشاريع تم رفضها من مديرية المسرح والفنون،اجمع كثيرون على انها اعمال يمكن ان تكون ذات قيمه فنية،وهناك مشروع موسيقي تمت مماطلته وتاجيله واخيرا رفضه يقدم "موسيقيا" مجموعة من الاصوات الشعرية الحاضرة في الوجدان الاردني.