تعالت الكثير من الأصوات في الأشهر القليلة الماضية عن استقرار الأردن وكأنما الأردن لم يكن السبّاق في ضمان الأمن والأمان وبرعاية ملكية. ومؤخراً قيل في المؤتمر العام لأحد الأحزاب في الأردن أنه، ووفقاً لتحليلاتهم، الخطوة التالية لإسرائيل بعد لبنان هو الأردن. وتم اقتراح حوار وطني لمشروع مُقترح للتعامل مع هذه التهديدات.
بعد وقفة طويلة واستعراض تاريخ وحاضر الأردن وجب توضيح ما يلي:
أن يكون مصير الأردن مرهوناً لمجرّد قرار من دولة أخرى فهذا أمر عصي. فالأردن، خارج عن نطاق السياسة، دولة قوية ومنيعة لها مؤسساتها وأركانها وعلى رأسها المؤسسة العسكرية. وقد ساهمت عوامل أساسية في رِفعة المملكة الأردنية الهاشمية ومن أبرزها المؤسسة العسكرية، بتعدد صنوفها وتنوع أسلحتها، وبسالة مقاتليها. وتمتلك المؤسسة العسكرية تاريخاً طويلاً وسجلاً حافلاً، حيث شارك الجيش العربي في العديد من المعارك على أرض فلسطين، وكان له دور بارز في الحفاظ على وحدة الأمة العربية والدفاع عنها باستمرار. ويقوم الجيش العربي بحماية فولاذية للحدود الأردنية كما يعلم الجميع. كما تتميز المؤسسة العسكرية في الأردن بالجاهزية العالية في الحرب والسلم وفي المساعدات والاغاثة الإنسانية على الصعيدين العربي والدولي.
أما من الجانب السياسي، لقد حرص الأردن الذي يتمتع بموقع جيوسياسي مهم حيث أنه يتوسط منطقة مليئة بالصراعات على الحفاظ على سيادته المُطْلَقة وحرص على تطوير علاقاته مع دول العالم الغربي مع إبقائه على علاقات عميقة وجذرية ومعتدلة مع الجوار العربي. هذا الاتزان الأردني أدّى الى اهتمام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن يكون لديها علاقات أوسع وأقوى مع الأردن مما يُشكّل رسالة مهمة من وإلى المجتمع الدولي على مكانة الأردن السياسية والأمنية.
ما من أردني إلاّ ويعي تماماً بأن «إسرائيل» تسعى الى تضخيم الأمور والأحداث ولعب دور «الضحية» للحصول على مكاسب مالية جديدة لتنفيذ مخططاتها السياسية والتوسّعية. لم تتأخّر «إسرائيل» بترجمة أطماعها تجاه الخط الحدودي مع الأردن ومن الواضح دائماً أن الحد الشرقي للحدود يُمثل الدرع الواقية ضد أي أطماع إسرائيلية توسعية، كما أنه ذو طبيعة شديدة التعقيد وذلك لمجموعة عوامل، منها طابعه القانوني والجغرافي والسياسي والعسكري، ما جعله يحتل مكان الصدارة وبالتالي لم تخفِ «إسرائيل» أطماعها التوسعية ولم تتردد في بذل الكثير لكي تتمكن من الحصول على الدعم المالي والمعنوي للهيمنة على تلك المنطقة.
الأردن لا يمارس التهديد وإنما يمارس الضغط الدولي سياسياً ودبلوماسياً، ولا يقبل بفتح حدوده وأجوائه لأي عشوائية من أي طرفٍ إن كان، فالمملكة الأردنية الهاشمية دولة مسؤولة بقراراتها وأفعالها بشكل واقعي ومنطقي ومدروس وعلني، ويواجه أي عدو أولاً بما يملك من تأثير أمام دول العالم وثانياً بتطبيق قواعد الاشتباك تماماً كما فعل ويفعل باستمرار عند مواجهة مهربي المخدرات على الحدود الشمالية وكافة حدود المملكة.
مَنَعَ الأردن اختراق مجاله الجوي بشكل قوي وذلك في فترة الضربات الجوية المتبادلة بين «إسرائيل» وإيران. وصرّح بشكل رسمي وعلني أن سياسة الأردن ثابتة وكل طائرة ومُسيّرة أو صاروخ يخترق الأجواء الأردنية مهما كان مصدرها سيتم التصدي لها لمنع أن تسبب ضرراً في الأردن وتهديداً للأردنيين. وأتت تلك التصريحات مبنية على القواعد الدولية والقانون الدولي العام. فالأردن دولة تحافظ على سيادتها من خلال مجموعة من القواعد الدولية التي تحدد ما يمكن وما لا يمكن فعله أثناء النزاع المسلح بين الدول.
عمل الأردن على تجنب أي تداعيات وتأثيرات قد تشملها نتيجة استمرار الحرب «الإسرائيلية» على لبنان من جهة، وغزة والضفة الغربية من جهة أخرى. ولكن مخاوف الأردن من تلك الحرب لا تتركز على احتمالية دخول الأردن في أي صراع وإنما تتعلق بـ «هواجس الهجرة» لأن الحرب قد تؤدي إلى اتساع الصراع في لبنان والضفة الغربية وهذا يعني موجات هجرة جديدة.
لكن الأردن يدعو باستمرار ويُنبه المجتمع الدولي دوماً إلى أن ملف النازحين الفلسطينيين يجب أن يكون محور الاهتمامات السياسية والدبلوماسية والإغاثية على أكثر من صعيد في محاولة للتخفيف عن كاهل الفلسطينيين ما أصابهم من نكبات، وعدم تفريغ الأراضي الفلسطينية من شعبها وبالتالي منع وضع ملف «العودة» على الرف إلى أجل غير مسمى. ويدعو الأردن دوماً لتوفير الحماية السياسية والقانونية لهم والضغط على المجتمع الدولي في تحميله مسؤولية التهجير المخطط له من «إسرائيل» لطمس الهوية الفلسطينية. وبالتالي إن الأردن لم يتخلَ يوماً عن القضية الفلسطينية ولم يتهاون فيما يتعلق بملف اللاجئين الفلسطينيين.
ولم يتخلَ أيضاً عن دوره العروبي اتجاه لبنان، ويحافظ الأردن ولبنان على علاقة قوية وودية، وقد وجه جلالة الملك عبد الله الثاني بتقديم مساعدات طبية وانسانية إلى لبنان، لمعالجة المصابين، وأكد الأردن رسمياً وقوفه مع أمن لبنان وسيادته واستقراره، وتضامنه معه ومع الشعب اللبناني الشقيق.
ختاماً، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أن نعمة الأمن والاستقرار التي يتمتع بها الأردن لم تأت صدفة، بل كانت نتيجة لجهد وعزيمة وإخلاص الأردنيين وحرصهم. وبذلك فإن الأمن والاستقرار قواعد وروافع مهمة للأردن بهمة الجهود التي تبذلها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية للمحافظة عليها وتعزيز أركانها، وبشعبها المنتمي والوفي والحريص.
محامٍ وخبير قانوني
yazan.haddadin@haddadinlaw.com