فيما يتبدى بوضوح فشل الهجوم «البريّ» الذي بدأه العدو الصهيوني, بمباركة أميركية مُعلنة, منذ 27/ ايلول الماضي, على جنوب لبنان. مترافقا مع غارات جويّة مُكثفة, طالت معظم مدن وبلدات وقرى لبنان الشقيق, بما فيها مواقعه الأثرية والتاريخية وأبرزها كان قبل يومين, عندما استهدفَ العدو قبل أيام, بيتاً تُراثياً يُعرف باسم «بيت المنشية», والذي يعود تاريخ تشييده إلى عام/1922، والمُحاذي لقلعة بعلبك الأثرية. وسط هذا الخراب العميم الذي ترافق مع «محو» وتدمير كامل لقرى «الحافّة الحدودية» مع فلسطين المحتلة, بدأت حكومة العدو الصهيوني تُرّوج منذ أمس/ الأحد, عن «نِيّتها» دراسة إمكانية وقف إطلاق النار بالجبهة الشمالية, لتجنّب أي قرار من مجلس الأمن ضدها. وجاء ذلك ــ على ما كشفت القناة/12 العِبرية (وهي قناة خاصة) ــ بعد ساعات قليلة «من مصادر» أفادت لوسائل إعلام عبرية, أنّ 90% من العمليات العسكرية البرّية لجيش الفاشية الصهيونية في جنوب لبنان.. «قد انتهت».
فخّ صهيوني مكشوف يصعب على لبنان الوقوع فيه, في ظل غياب أي حديث صهيو أميركي عن القرار/1701, وتعديلات مُجرم الحرب نتنياهو عليه. تعديلات مستحيلة القبول لبنانياً, من قبيل منح طيران العدو حرية العمل فوق «كامل» الأجواء اللبنانية, ناهيك عن مُراقبة دولية للحدود البحرية وخصوصا البرّية مع سوريا, لمنع «تدفق» السلاح على حزب الله, الأمر الذي يُحوّل لبنان الى «محمية» صهيوأميركية أطلسية (حيث معظم العديد الأكبر والأكثر تسليحا نوعيا وبخاصة «بحرِياً», في قوات «اليونيفيل» لدول أطلسية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا).
من هنا جاءت مُسارعة وزير الثقافة اللبناني, محمد وسام مرتضى المحسوب على حزب الله, الى رفض هذا «الفخّ» الصهيوني, ليضع حدا لإنسحاب أُحادي الجانب, يسمح للعدو الفاشي لاحقا, حرية العودة الى الحرب تحت ذرائع مختلفة. ناهيك عن تبجّحه بانه لم يُعلِن عن اتفاق «مشترَك» لوقف النار, على جانبيّ الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية المُحتلة.
قال مرتضى: إن بلاده لن تقبل باتفاق أُحادي لوقف إطلاق النار مع إسرائيل, مؤكدا أن الموقف اللبناني الرسمي «يتلخّص بضرورة تحقيق (وقف مُتزامن) لإطلاق النار, وتطبيق مُتزامن للقرار الأممي/.1701». موضحاً في الآن نفسه أن «المسألة في الملعب الإسرائيلي ومَن وراءه»، مُشيرا إلى أن المقاومة تُظهِر «ثباتا ما بعده ثبات وعزيمة منعقدة, على جعل الإسرائيلي يفهم بأنه لا مجال له لتحقيق أي من أهدافه المُعلنة أو المُضمرة». لافتا في حديث لقناة «الجزيرة» إلى وجود معلومات تُفيد بأن المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين, سيستأنف جهود الوساطة بين لبنان وإسرائيل, في محاولة لـ«حل الأزمة الراهنة»، مُتابعا القول: إن هذه الوساطة تأتي في إطار مساعي إدارة الرئيس جو بايدن لـ"تركِ بصّمتها» قبل انتهاء ولايتها. وإن كان مُرتضى أردفّ أن المبعوث الأميركي, لم يُرسل أي «رسالة دقيقة» حول موعد زيارته أو ما يحمله من مقترحات، مُستطردا أن «لبنان الرسمي ينتظر ويترقب ويأمل, بأن إدارة بايدن, ستسعى أخيرا إلى جُهد جدي وصولا لوقف إطلاق النار».
وإذ لا يخفى على أحد ان ما يقوم به جيش العدو, من تدمير وعربدة وقتل في جنوب لبنان, كما في صور وصيدا والبقاع, إنما يروم من ورائه إثارة الفتنة, ليس فقط في بيئة المقاومة, بل خصوصا بين اللبنانيين انفسهم على اختلاف طوائفهم, وبما يسمح باستعادة أجواء الحرب الأهلية, وخصوصا إلغاء «اتفاق الطائف», الذي أسهمَ من بين أمور أخرى في تقليص صلاحية رئيس الجمهورية «الماروني», لصالح مجلس الوزراء (مُجتمِعا), على نحو يدرك فيه الجميع, ان مقاعد المجلس مُقسّمة «مُناصفة» بين المسيحيين والمسلمين. وبما لا يسمح بتغوّل طرف على طرفٍ آخر. لكن لـ«إسرائيل» ومَن اصطفَّ الى جانبها في لبنان وخارجه, (رأي آخر), يقوم على ممارسة مزيد من الضغوط, المحمولة على بث المزيد من الإشاعات وعمليات التحريض, واختلاق الأكاذيب وفبركة الخزعبلات والفتن الطائفية والمذهبية, بما يؤجج المشاعر ويرفع منسوب التوترات.
مشهد لبناني مُعقد خارجيا ومُفُخّخ داخليا, بعد ان تمترست بعض القوى في «خنادق» متقابلة’ وإن لم تصل بعد الى حمل السلاح او التلويح باستخدامه, وهو أمر يدعو للتفاؤل, رغم كل ما يُقال ويُكتب ويُصوّر بداعي الاستفزاز والتشفّي والشماتة هنا وهناك, إلا ان «دروس» الحرب الأهلية المُرّة, تدفع للاعتقاد ان «حزب الحرب الأهلية», في هذا الجانب او ذاك, كفيلة «ربما» بتبريد أصحاب الرؤوس الحامية, ودفعهم للنزول عن الشجر العالي الذي يرومون الصعود إليه, إذا ما وعندما «يُوقنون» أن «إسرائيل».. إنتصرت. وهو أمر نحسبه, بل تؤكده الأيام والليالي والميدان انه مُستحيلٌ.. مُستحيل.
kharroub@jpf.com.jo