مدار الساعة - كتب أ.د. محمد الفرجات - تواصل معي صديق من البترا يطلب النصح بموضوع إستقطاب مستثمر لأرض له ذات إطلالة ومساحة كبيرة جدا، وتواصلت مع صديقي د. محمد جودة في إيطاليا لعله يساعد صديقي بذلك، عبر علاقاته بالمستثمرين في إيطاليا والخليج، وكان أول سؤال للدكتور جودة: "شو الحوافز الاستثمارية عندكم بالبترا؟"... فأجبته عن أعداد السياح الكبيرة في الأوضاع العادية (بلا أزمات في الإقليم المحيط)، وأن العوائد مشجعة جدا... إلخ، وقال لي: "هذا غير كافي، ومن خبرتي فأسواق الإستثمار في العالم كبيرة، والمستثمر صاحب رأسمال، ويريد حوافز تجذبه".
ودار النقاش، وخرجنا معا بالمقترح التالي:
يعد إقليم البترا التنموي السياحي من أهم الوجهات السياحية في الأردن والعالم، حيث يجذب ملايين السياح سنوياً لمشاهدة هذا الموقع الأثري الفريد الذي يعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة. وعلى الرغم من أهميته الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الإمكانيات الهائلة للبترا لم تُستغل بالشكل الأمثل. ومن هنا، تأتي الحاجة إلى تعديل قانون إقليم البترا ليشمل حوافز تشجيعية لاستثمارات جديدة ومستدامة، تدعم تنمية القطاع السياحي وتعزز الاقتصاد المحلي، وتعود بالفائدة على المجتمع المحلي.
أهمية الحوافز الاستثمارية المقترحة
1. تخفيض أسعار الكهرباء والمياه للمشاريع السياحية:
يعتبر تخفيض تكاليف الكهرباء والمياه من أبرز الحوافز التي يمكن أن تُحدث فارقاً كبيراً في جذب الاستثمارات. فالكهرباء والمياه من الموارد الأساسية في تشغيل المنشآت السياحية، خاصة الفنادق والمنتجعات والمطاعم. ومن خلال تخفيض أسعار هذه الخدمات، ستقل تكاليف التشغيل، مما سيجعل الاستثمار في القطاع السياحي أكثر جدوى وربحية، ويشجع المستثمرين المحليين والدوليين على ضخ رؤوس أموال جديدة في مشاريع تخدم السياحة.
2. إعفاءات ضريبية على المشاريع السياحية:
يمثل الإعفاء الضريبي واحداً من أبرز عوامل الجذب التي تساعد على تحفيز المشاريع الجديدة. ويمكن أن يشمل الإعفاء الضريبي نسبة من الأرباح المحققة من المشاريع السياحية أو إعفاء لفترة محددة في المراحل الأولى للتشغيل، مما سيساعد المستثمرين في تحقيق عائدات مجدية في فترة أقصر. مثل هذا التسهيل سيكون حافزاً لجذب شركات عالمية للاستثمار في البترا، مما يعزز من مكانة الأردن السياحية على خريطة السياحة العالمية.
3. إعفاء رسوم مواد البناء عند الإنشاء:
يُعتبر الإعفاء من رسوم استيراد مواد البناء للمشاريع السياحية من أهم التسهيلات التي يحتاجها المستثمرون، خاصة مع ارتفاع تكاليف المواد الخام عالمياً. إن هذا الإعفاء يمكن أن يخفض بشكل كبير من تكاليف بناء المنشآت السياحية كالفنادق والمرافق الترفيهية، ويحفز المستثمرين على إنشاء بنية تحتية متطورة تضاهي ما هو موجود في الوجهات السياحية العالمية. وتعد البنية التحتية القوية والمتقدمة عاملاً مهماً لزيادة أعداد السياح، وزيادة مدة إقامتهم في المنطقة.
4. إعفاءات على الأثاث والتجهيزات السياحية:
من أجل تقديم تجربة سياحية متميزة للسياح، يحتاج المستثمرون لتأثيث وتجهيز منشآتهم بأعلى المعايير، مما يعني تكاليف إضافية كبيرة. ويمكن لتقديم إعفاءات جمركية على الأثاث والتجهيزات السياحية أن يُساهم في رفع مستوى المنشآت الفندقية والمنتجعات، ويضمن توفير بيئة راقية وجاذبة للزوار. وبهذا، يصبح لدى المستثمرين القدرة على تخصيص مواردهم لتحسين الجودة وتقديم خدمات مبتكرة، تعكس جمالية المكان وتراثه الفريد.
أثر الحوافز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية
إلى جانب أثرها المباشر على جذب الاستثمارات، تسهم هذه الحوافز المقترحة في تحقيق مجموعة من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية:
دعم الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل
إن تطوير قطاع السياحة في البترا عبر تشجيع الاستثمار سيزيد من مساهمة القطاع في الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل جديدة، وتدريب الكفاءات المحلية على التعامل مع السياح ورفع مستوى الخدمات. وبالتالي، سيسهم ذلك في تحسين مستويات المعيشة للسكان المحليين، ويعزز شعورهم بالاستقرار والازدهار.
تنمية البنية التحتية والخدمات العامة
زيادة الاستثمارات السياحية ستدفع لتحسين البنية التحتية العامة في المنطقة، مثل الطرق وشبكات النقل والخدمات. ستوفر هذه البنية المحسنة تجربة مريحة وسلسة للسياح وتزيد من رضاهم عن زيارتهم، مما يشجعهم على تكرار الزيارة ودعوة الآخرين لاستكشاف المنطقة.
رفع تنافسية البترا كمقصد سياحي عالمي
بإضافة هذه الحوافز، يمكن أن تصبح البترا منافسةً على مستوى عالٍ للعديد من الوجهات السياحية العالمية، مما سيزيد من حجم السياحة الوافدة ويعزز مكانة الأردن كوجهة سياحية متكاملة. إضافةً إلى ذلك، فإن الخدمات السياحية المحسنة ستكون عامل جذب إضافي يجذب السياح الراغبين في تجارب فريدة، ويعود بالفائدة على كامل القطاع السياحي في المملكة.
تعزيز الاستدامة السياحية وحماية الموقع الأثري
وذلك من خلال جذب استثمارات تراعي معايير الاستدامة، يمكن الحفاظ على توازن بين تطوير القطاع السياحي وحماية المواقع الأثرية. الاستدامة لا تتعلق فقط بالحفاظ على البيئة، بل تمتد لتشمل المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي للمنطقة، وبهذا، تساهم الحوافز المقترحة في تحقيق رؤية شاملة لتنمية سياحية مستدامة تحافظ على البترا للأجيال القادمة.
يعد هذا المقترح لتعديل قانون إقليم البترا التنموي السياحي خطوة استراتيجية لدعم التنمية السياحية وتعزيز البترا كوجهة سياحية عالمية. إن توفير هذه الحوافز للمستثمرين من شأنه أن يطلق إمكانيات جديدة لتطوير السياحة، وتوفير فرص اقتصادية، وتحسين جودة الحياة للمجتمع المحلي. بذلك، سيكون الأردن على مسار أكثر استدامة لتحقيق طموحات السياحة والتنمية في آن واحد، ليضمن موقع البترا كرمز حضاري وثقافي يستمر في إلهام الزوار من جميع أنحاء العالم.