وجدَ الرئيس جو بايدن, مُتسعا من الوقت ليس فقط للتنديد بـ(الهجمات «المُعادية للسامية» على مُشجعي كرة القدم الإسرائيليين في أمستردام, واصفاً إياها بـ«هجمات خسيسة», وتُذكِرنا بلحظات مُظلمة في التاريخ وِفق وصفِه, عندما «تعرّض اليهود للاضطهاد». مُضيفاً في نفاق مفضوح: «لقد كُنا على اتصال بالمسؤولين الإسرائيليين والهولنديين, ونُقدّر التزام السلطات الهولندية بمحاسبة الجناة. يجب علينا «مُحاربة معاداة السامية» بلا هوادة، أينما ظهرتْ». بل خصوصا في الزعم بأنه/بايدن سَـ«ُيواصل تعزيز الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن». كما سيُواصل أيضا «مساعي التوصّل إلى حل في لبنان، قبل أن يترك منصبه في 20 كانون الثاني/2025».
فهل يملك بايدن حقا, كما وزير خارجيته أنتوني بلينكن.. المُتفاخِر بيهوديته, «ترفَ» الوقت والصِدقية (دع عنك الجدية والنزاهة) لإنهاء, حرب الإبادة والتطهير العِرقي والتجويع في قطاع غزة المنكوب والمُحاصَر, ناهيك عن «إيجاد حلٍ» لحرب التدمير والمَقتلة المفتوحة في لبنان الشقيق؟
من السذاجة الاعتقاد ولو للحظة واحدة, ان ثمة صِدقية حتى في حدّها الأدنى, لدى «الثنائي» الصهيوني/بايدن واليهودي/بلينكن, وعلينا تذكُّر ان الأخير/بلينكن قام بـ«11» جولة في المنطقة «تكلّلَت» كلها بالفشل الذريع, بعدما تبنّى الشريك الأميركي, في حرب الإبادة والتطهير العرقي, وجهة نظر شريكه الصهيوني.
هنا أجاب أرون ديفيد ميلر، كبير باحثين في معهد كارنيغي, ومستشار سابق لعدد من الحكومات الأميركية في مفاوضات الشرق الأوسط, على سؤال لقناة «الحرة» الأميركية (وما أدراك ما سياسة وأهداف هذه القناة «الممنوعة» من البثّ داخل الولايات المتحدة نفسها), أنه/ميلر «يَشك بقدرة إدارة بايدن على إنهاء الصراع, أو حتى احتوائه في الشرق الأوسط، ففي قطاع غزة ــ أضافَ ميلر ــ نتنياهو وقادة حماس «لا» يهتمون بصفقات التنازل المطروحة الآن لوقف إطلاق النار». أما في لبنان، أردفَ ميلر، أنه «رغم قلة التعقيدات هناك مُقارنة بغزة، لكن هناك قيوداً بشأن تنفيذ اتفاق مع حزب الله، وغير معروف إن كانت إيران ستوافق على أي صفقة، بحسب تعبيره».
وأشار ميلر إلى أن نتنياهو «لن يسمحَ» للرئيس بايدن, أن يُحقق نجاحا في هذا الملف, خلال الفترة المُتبقية من عمر إدارته، «سيما مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة». لافتا/ميلر إلى أن هناك «عدم وضوح في المواضيع المتعلقة بين إسرائيل وإيران، وطبيعة الرد الإيراني على القصف الإسرائيلي الأخير وتبعاته».
وإذ يصعب تجاهل ما يُقال على الساحة الأميركية, بعد أن لم تعد إدارة بايدن الكسيحة والمتواطئة, قادرة على تقديم اي شيء, خلال المرحلة الانتقالية التي لا تزيد على «70» يوماً, فإن من الحكمة التوقف مليا عند ما تُشير إليه وتُحذّر منه, بعض وسائل الإعلام «الإسرائيلية», خاصة تجاه ما قد تأتي به «العلاقات المُتوقعة» بين مجرم الحرب/نتنياهو, وصاحب صفقة القرن، ترمب لا يُمكن توقّع اي خطوة او قرار له, تجاه اي ملف اوقضية إقليمية أو دولية.
إذ كتبتْ أسرة صحيفة «هآرتس» في «افتتاحية» عددها يوم أول أمس/الجمعة, تحت عنوان: كيف يبدو حلف ترامب- نتنياهو خطيراً على إسرائيل؟. تقول: أيّدَ نتنياهو ترشيح ترمب للرئاسة الأميركية وسارع للتهنئة بانتصاره. شهدت علاقات الرجلين صعوداً وهبوطاً، وبخاصة بعد أن اعترف نتنياهو بفوز بايدن في عام/2020 وأثار غضب ترمب. لكن العلاقات الشخصية «مُجرّد عنصر واحد في السياسة الدولية. فالأيديولوجيا والمصالح أهم». نتنياهو ـ وترمب ــ أضافت أسرة تحرير هآرتس ــ يتقاسمان, معتقدات الانعزالية وكراهية الأجانب، وتقدير الأغنياء ومَقتْ المؤسسات والقواعد والقوانين. في نظرهم، الكوابح والتوازنات مُعدّة لأناس آخرين، ويجب إتمام حُكمِهما بلا عراقيل. الوزراء والموظفون سيتصرفون كـ«خدم وإلاّ يُستبدَلون». ترمب ونتنياهو ــ تابعَتْ ــ نجحا في جعل حزبين سياسيّين, ذوي تقاليد وبرنامج وجهاز، إلى مشاريع عبادة شخصية. وكلاهما يخوضان حملة مُكثفة من التهجّمات على وسائل الإعلام فيما يستغلانها للاندفاع قُدماً.
والآن ــ استطردتْ هآرتس ــ يأمل نتنياهو ورفاقه في الائتلاف, بإسناد من ترمب لـ«النصر المُطلق»... طرد الفلسطينيين من شمال غزة وإقامة مستوطنات هناك، والضم وتكثيف الاستيطان في الضفة، وشريط أمني في لبنان، وربما أيضاً هجوم أميركي على منشآت النووي في إيران. هذا هو ــ لفتت الصحيفة ـــ السبب الذي ينبغي لأجله انتخاب ترمب، الذي يُخيف كل مُحبي الديمقراطية الليبرالية في العالم، ويُثير قلقاً خاصاً في إسرائيل. حتى لو تحققت توقعات نتنياهو والمستوطنين منه جزئياً، فإن ــ خَتمتْ أسرة تحرير هآرتس ــ الحلف بينهما خطير على مستقبل إسرائيل، وعلى الحرية السياسية فيها، وعلى قُدرتها على بناء مستقبل مُشترك مع الفلسطينيين.
kharroub@jpf.com.jo