أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

بطَّاح يكتب: مُعضلة إسرائيل اللبنانية


د. أحمد بطّاح

بطَّاح يكتب: مُعضلة إسرائيل اللبنانية

مدار الساعة ـ
يعود الصراع العسكري بين إسرائيل ولبنان إلى عام 1978 عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية الأراضي اللبنانية للقضاء على المنظمات الفدائية الفلسطينية (وبالذات منظمة فتح)، وما ساندها من ميليشيات "الحركة الوطنية اللبنانية"، وفي عام 1982 قامت إسرائيل بغزوة أخرى للبنان انتهت باحتلال العاصمة اللبنانية، وقد تمخضت هذه الحرب عن جلاء قوات منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات إلى بلدان عربية أخرى كتونس واليمن وغيرها، وقد شهد هذا العام بالذات (أيّ 1982) ولادة "حزب الله" الذي تولى قيادة المقاومة اللبنانية، الأمر الذي اضطر إسرائيل بعد مواجهات دامية ومستمرة إلى الانسحاب من لبنان إلى الحدود الدولية في عام 2000 وبدون ايّ اتفاق.
ولكن الطرفين (إسرائيل وحزب الله) عادا إلى المواجهة الكبرى في عام (2006) حيث استمرت لمدة 34 يوماً شنت خلالها إسرائيل هجوماً مُدمراً على لبنان لكنها خسرت بالمقابل الكثير وانتهى الأمر بإصدار مجلس الأمن للقرار (1701) الذي رسم ما سُمّي (بالخط الأزرق) بين إسرائيل ولبنان وبحيث تُرابط قوة من الأمم المتحدة (UNIFIL) وقوات الجيش اللبناني على الجهة اللبنانية من الحدود، والواقع أنّ الطرفين (إسرائيل وحزب الله) لم يلتزما بالقرار بدقة وبقي كل منهما يخطط للمواجهة القادمة.
إنّ الحرب التي تشنها اسرائيل على لبنان الآن هي استمرار للمواجهات التي أشرنا إليها آنفاً، فقد استغلت إسرائيل "مساندة" حزب الله لحماس في قطاع غزة في سياق معركة "طوفان الأقصى" لكي تضيف إلى أهداف الحرب بعد السابع من أكتوبر هدفاً جديداً وهو إعادة سكان المستعمرات الشمالية الذين تركوا مستوطناتهم إلى أماكن سكناهم (ما بين 60,000 - 100,000 مستوطن).
لا يبدو أنّ الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان حالياً والتي تشابه بعض ملامح الحرب الهمجية التدميرية على قطاع غزة سوف تنجح في تحقيق أهدافها وهي تغيير الواقع الأمني على الحدود الشمالية لإسرائيل والمتمثلة في تدمير حزب الله كقوة عسكرية وإبعاده عن الحدود ونزع سلاحه إن أمكنْ وتحويله إلى حزب سياسي غير مؤثر في مُجريات الحياة السياسية اللبنانية، وما سوف يترتب على ذلك من إعادة مُهجري المستوطنات إلى الشمال وضمان أمنهم بصورة دائمة وأبدية.
إنّ الفشل الاستراتيجي الذي سوف تواجهه إسرائيل والذي بدت ملامحه منذ الآن يعود إلى العوامل المهمة الآتية:
أولاً: فشل إسرائيل في تدمير حزب الله واستئصال شأفته رغم الضربات الموجعة التي وجهتها له بدءاً من حوادث "البيجر واللاسلكي"، ومروراً بقتل عدد غير قليل من قادته العسكريين وانتهاءً باغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، ولعلّ الدليل الأبلغ على ذلك هو عدد الصواريخ والمسيرات التي يطلقها الحزب كل يوم فضلاً عن تمكنه من ضرب "بنيامينا" التي يعسكر فيها أهم الألوية العسكرية الإسرائيلية وهو لواء "غولاني"، وكذلك ضرب إحدى مسيرات حزب الله لمنزل "نتنياهو" بل لغرفة نومه في منزله الكائن في قيساريا. إنّ هذه الشواهد تدل دلالة قاطعة على أنّ الحزب تمكّن من استيعاب الصدمات المروّعة التي تعرض لها، ونهض من جديد قوياً وقادراً على المنازلة.
ثانياً: فشل إسرائيل في استعداء "الحاضنة الاجتماعية" لحزب الله على الحزب وذلك لسبب بسيط هو أنّ مقاتلي حزب الله هم أبناء هذه الحاضنة ولا يُعقل أن يعادي الأهل أبناءَهم بغض النظر عن التضحيات الجِسام التي يقدمونها في "الضاحية الجنوبية"، ومُدن وقرى جنوب لبنان من تدمير ونزوح وفَقْد هذا إذا لم نقل بأنّ هذه البيئة الحاضنة سوف تصبح أكثر عداءً لإسرائيل بسبب ما تسببه لهم من آلام ومعاناة.
ثالثاً: فشل إسرائيل في إحداث "فتنة طائفية" في لبنان إذْ حاولت بشكل مباشر أو غير مباشر تحريض الطوائف اللبنانية الأخرى (غير الشيعة) كالمسيحيين والدروز والسنة على حزب الله -على أساس أنه هو الذي يسبب ما يتعرضون له- والواقع أنّ هذا لا يُتوقع أن ينجح بسبب التجربة اللبنانية المريرة اثناء الحرب الأهلية (1975 - 1990)، وبسبب شمول العدوان الإسرائيلي للبنان كوطن وليس فقط لجنوب لبنان، وبسبب مطالب إسرائيل غير المعقولة والتي تمّس الوطنية والكرامة اللبنانية في الصميم كطلب إسرائيل أن يكون لها الحق في التدخل عسكرياً في الأراضي اللبنانية براً وبحراً وجواً إذا شعرت بأيّ خطر مُحتمل ينطلق منها.
رابعاً: فشل إسرائيل في مراعاة "العامل الدولي" المتعلق بلبنان إذْ من المُتفق عليه أنّ لبنان له علاقات وثيقة مع الدول الغربية بشكل عام (ومنها الولايات المتحدة) وبالذات مع فرنسا التي تحتفظ "بعلاقات خاصة" مع لبنان وهي حريصة كل الحرص على ألّا يتعرض لما يتعرض له قطاع غزة، والواقع هو أنّ الدول الغربية لا تستطيع أن تغض النظر عن "تدمير لبنان" كما غضت النظر عن "تدمير قطاع غزة"، الأمر الذي يستوجب من إسرائيل أن تجد مخارج سياسية فضلاً عن الأساليب العسكرية لحل اشكالياتها مع لبنان حتى وإن كان حزب الله (المصنف كمنظمة إرهابية في الغرب) عاملاً فاعلاً في الصراع المُحتدم.
إنّ من الواضح وبعد مرور شهر من الحملة الإسرائيلية على لبنان أنها لم تستطع إرجاع مهجريها إلى مساكنهم في الشمال وهذا بالتأكيد ثمرة للفشل الإسرائيلي الاستراتيجي في التعاطي مع المعضلة اللبنانية ممّا يعني حُكماً ضرورة اللجوء إلى الحلول السياسية لاجتراح حل وسط لا تنتصر فيه إسرائيل نصراً مطلقاً، ولا ينهزم فيه لبنان هزيمة كاملة، وهذا ما قصده أبو الاستراتيجية الحديثة "كلاوزفيتز" حين قال "الحرب هي استمرار للسياسة ولكن بطريقه أخرى"، وهذا الحل السياسي في الواقع هو ما تحاوله العواصم المعنية: واشنطن، وباريس، وتل أبيب، وبيروت والذي سوف يتبلور بلا شك خلال المستقبل المنظور.
مدار الساعة ـ