وجه جلالة الملك رئيس الوزراء جعفر حسان للبناء على الجهود السابقة للوصول إلى برنامج للتغطية الصحية الشاملة للمواطنين، وأن تعمل الحكومة على إطلاق المرحلة الأولى من البرنامج العام المقبل، لتبدأ هذه الحكومة أولى خطواتها بهذا الخصوص من خلال إقرار لائحة أجور الأطباء الجديدة التي أقل ما يقال عنها أنها خلافية والمتضمنة بالتأكيد زيادة في أجور الأطباء من 50 – 100 % وكذلك زيادة في أجور الإجراءات الطبية التي أشار لها المختصون بأنها تضمنت نسبا عالية تصل إلى أكثر من 200 %، ليبقى السؤال المهم بأي قرار حكومي، هل تم دراسة أثر إقرار اللائحة ونشرها بالجريدة الرسمية على الميزانية الحكومية أولاً، وعلى التأمين الصحي الخاص ثانياً وعلى إستراتيجية السياحة العلاجية وصولاً للتغطية الصحية الشاملة أخيراً؟
منذ أكثر من عام وملف الأجور الطبية كان أحد أبرز الملفات الساخنة التي أثيرت على الساحة الأردنية، فبادرت وزارة الصحة بجمع جميع الأطراف ذات العلاقة مثل الاتحاد العام لنقابات العمال وجمعية التأمينات الصحية والضمان الاجتماعي وجمعية حماية المستهلك وشركات التأمين من جهة ونقابة الأطباء من جهة أخرى، وبعد اجتماعات عديدة خرجت لائحة غير توافقية، بادرت الجهات التي تمثل التأمين الصحي الخاص إلى رفضها، لكن المضحك المبكي أن شركات التأمين تؤمن 8 % فقط من سكان المملكة، وعليه ستقوم شركات التأمين برفع أقساط التأمين إما على المؤسسات أو الأفراد، وبالتالي فهي غير متضررة، ولم ينتبه أحد لأثر هذه الزيادات التي تعتبر جوهرية على الاقتصاد الأردني والمجتمع والمواطن الذي سيتضرر بشكل مباشر، وكذلك القطاع الصحي الحكومي الذي سيعاني من هجرة عكسية من التأمين الصحي الخاص إلى التأمين الحكومي وسيكون مطلوباً من الحكومة الجديدة تحمل أعباء مالية مباشرة من خلال صندوق التأمين الحكومي الذي سيشتري خدمات طبية من القطاع الخاص بنسبة تقارب 28 % من قيمة هذه الخدمات وغير مباشرة من خلال تقليص التأمين الطبي الخاص وتوسع مظلة التأمين الحكومي.
لذلك تجد الحكومة الجديدة نفسها أمام استحقاقات عاجلة لتنفيذ كتاب التكليف السامي من خلال إطلاق المرحلة الأولى من برنامج التغطية الشاملة العام المقبل الذي سيبدأ بعد شهرين تقريباً، إذ أنه حسب ما أشار له الخبراء في مؤتمر التأمين الصحي الشامل المنعقد في البحر الميت مؤخراً إلى أن هناك 34 % من سكان المملكة خارج التغطية الصحية حالياً، وستزداد حتماً بعد رفع أجور الأطباء وأجور إجراءاتهم، وكذلك فإن القائمين على التأمين الصحي الخاص متشائمون في الشراكة مع الحكومة تحت أي عنوان يخص الملف الصحي، وذلك بعد أن اتهموا وزارة الصحة بالانحياز للأطباء على حساب كافة جهات الحوار بما فيها ميزانية الدولة نفسها، فكيف ستنفذ الحكومة إستراتيجية التغطية الصحية الشاملة دون شراكة مع القطاع الخاص؟ وكيف ستنتج أي إستراتيجية وبرنامج عمل دون وجود مرجعية موحدة للقرار الصحي في ظل تعدد مرجعيات القرار خاصة فيما يتعلق بالأجور التي تنفرد بها النقابة وحدها دون حتى تدخل حكومي بحسب ما أشار له الناطق الإعلامي للحكومة؟
إن وجود مرجعية حكومية موحدة يسند إليها وضع البروتوكولات الصحية ولائحة الأجور وتؤخذ بعين الاعتبار مصلحة جميع الأطراف ذات العلاقة وكذلك تؤسس لشراكة حقيقية مع القطاع الخاص ستعتبر خطوة أولى وأساسية نحو السير قدماً في برنامج التغطية الصحية الشاملة فمن غير المعقول وجود هيئة حكومية للنقل تحدد أجور النقل ولا يوجد جهة حكومية تحدد أجور صحة وعلاج المواطن ليبقى المواطن رهينة تجاذبات بين نقابة الأطباء والقائمين على التأمين الصحي الخاص.