مع ازدياد التحضر وتسارع وتيرة نمو المدن، برز مفهوم "المدينة الصحية" كإطار شامل يدمج رفاهية الإنسان واستدامة البيئة في صميم التخطيط الحضري.
أطلقت منظمة الصحة العالمية هذا المفهوم لتشجيع مدن تضع صحة الأفراد وسعادتهم في المقدمة، مع الحفاظ على موارد الطبيعة. فالمدينة الصحية لا تقتصر على تعزيز الصحة البدنية والنفسية، بل تمتد لتخلق انسجامًا بين المجتمع والبيئة، ليحقق كل منهما منفعة متبادلة.
تقوم المدن الصحية على تصميمات تركز على حياة السكان، حيث تنتشر المساحات الخضراء، والممرات المخصصة للمشاة والدراجات، ومناطق الترفيه. هذه المساحات ليست فقط مكانًا للاستجمام، بل تشجع الأفراد على ممارسة النشاط البدني، مما يساهم في تقليل انتشار الأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكري، ويخفض من التوتر، ويقوي الروابط الاجتماعية. فالتواجد في الحدائق والمساحات الطبيعية يعزز من شعور الأفراد بالانتماء لمجتمعهم ويعمق ارتباطهم بالبيئة.
تعمل المدن الصحية أيضًا على بناء مجتمع متعاون ومسؤول بيئيًا، من خلال مبادرات مثل الزراعة الحضرية وبرامج إعادة التدوير. هذه الأنشطة تحفز السكان على فهم أهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتحويل حماية البيئة إلى مسؤولية جماعية، مما ينمي لديهم إحساسًا مشتركًا بالتكافل والمساواة.
وتسعى المدن الصحية إلى تحقيق التنمية المستدامة عبر تبني وسائل نقل صديقة للبيئة كالمواصلات العامة ومسارات الدراجات، ما يقلل من التلوث وانبعاثات الكربون. كما تُصمم المباني لتكون موفرة للطاقة، وتُستخدم الأسطح الخضراء لتحسين جودة الهواء. وتوظف هذه المدن مصادر الطاقة المتجددة وتعمل على تقليل النفايات، لتوفر بيئة نقية وصحية، تلبي احتياجات الحاضر وتحافظ على موارد المستقبل.
في عمان، يمثل مفهوم المدينة الصحية فرصة لتحسين جودة الحياة وتعزيز العدالة الاجتماعية والاستدامة. فمن خلال تطوير وسائل النقل العام والمباني الموفرة للطاقة، يمكن لعمان أن تكون نموذجًا لمدينة عصرية تدعم صحة سكانها وتضمن مستقبلًا أكثر استدامة للأجيال القادمة.
ختامًا، يُلخص مفهوم "المدينة الصحية" رؤية متكاملة تجمع بين الإنسان والطبيعة، وتركز على الصحة، العدالة الاجتماعية، والاستدامة. فهو يخلق مدنًا قابلة للعيش تتناغم فيها رفاهية الأفراد مع حماية البيئة، ويقدم نموذجًا ملهمًا لبناء مجتمعات مزدهرة ومستدامة، حيث تعيش الأجيال الحاضرة والقادمة في توازن وانسجام.
