على نحو مُفاجئ, ساد في اوساط الفصائل الفلسطينية, أو قل بشكل أدق أوساط «فتح» و«حماس» تفاؤل لافت, لم تتردد مصادر في الحركتين المُتنافستين, في الإعلان عن «قُرب» التوصل الى اتفاق او بيان «حُسن نوايا» لإدارة قطاع غزة, المدمر والمنكوب والمجوّع, وحيث سكانه أطفالا ونساء ومُسِنّين, هدفا لآلة القتل الصهيوأميركية.
ولئن كان ما تناقلته وكالات الأنباء ومحطات التلفزة تحدّث عن «مرونة» أبدتها حركة حماس, في شأن اسم وطبيعة ومرجعية «اللجنة» التي ستتولى إدارة القطاع, بعد ان كانت حماس اشترطت ان تكون تبعية «لجنة إدارة» قطاع غزة لـ«الفصائل» وليس لحكومة رام الله, فإن ما قيل على لسان أكثر من مصدر «فتحاوي» بشكل خاص, عن التوصّل الى اتفاق/تفاهم «لم» يتم إشهاره والتوقيع عليه بعد, ينص على تأسيس «لجنة مهنية» تُدير قطاع غزة مستقبلاً، خصوصاً ما يُثار عن قبول «حماس» لهذه اللجنة, واشتراطها «أن تُصدر بمرسوم رئاسي». فيما توقع آخرون ان زيارة ر?يس سلطة الحكم الذاتي للقاهرة (تمت يوم أمس). «قد» تعني اقتراباً من اتفاق أو ترتيبات جادة بين الحركتين، استعداداً لمرحلة «اليوم التالي» من الحرب الصهيوأميركية على القطاع الفلسطيني, المتواصلة فصولا كارثية منذ أزيد من عام.
من هنا فإن تفاهم القاهرة الحالي بين حماس وفتح, على «اسم اللجنة» وصلاحياتها ومرجعيتها, يكتسب أهمية إضافية (في حال تم التوقيع عليه واعتماده, ولم تقم إحدى الحركتين بالتراجع عنه او تأجيل التوقيع عليه, بذريعة المزيد من التشاور او اطلاع باقي الفصائل عليه, ما يُحيله الى ما سبق من بيانات وتفاهمات, حدثت في جولات العاصمة الصينية/بيجين, وقبلها موسكو والقاهرة والجزائر).
نقول: يكتسب أهمية إضافية خاصة أنه جاء بعد «رفض» حركة حماس قبول إتمام «الصفقة المُصغرة»، التي عرضها «الوسطاء» مؤخراً, كونها «لا تتضمّن وقفاً دائماً للنار, ولا انسحاباً لجيش العدو من القطاع ولا عودة للنازحين، فضلا عن أنها «لا تُعالج احتياجات أهالي القطاع للأمن والاستقرار والإغاثة والإعمار. ناهيك انها لا تشمل فتح المعابر بشكل طبيعي، خاصة معبر رفح»، في الوقت الذي كانت فيه «حماس» تؤكد أن الحركة «مُنفتحة على أي أفكار أو مفاوضات من أجل تحقيق هذه الأهداف». دون إهمال ان الاتفاق/التفاهم الذي يجري الحديث عنه بين حماس?وفتح, يأتي قبل يوم واحد (بتوقيت الاردن), من الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ماذا عن اسم وصلاحيات اللجنة؟
(لجنة الإسناد المجتمعي).. هذا هو الاسم الذى تم اعتماده, للجنة ستكون مُولجة إدارة شؤون قطاع غزة. حيث تكون تابعة للسلطة الفلسطينية، وتتضمّن في عضويتها شخصيات مُستقلة, وليس فصائلية، وتصدر بمرسوم من رئيس السلطة. زد على ذلك ان «المُتحاورين» أعادوا تأكيد «سعيِهم» لتحقيق الوحدة الفلسطينية، وعدم فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة.
ما تم التوصل إليه في القاهرة اول أمس, حال تم الأخذ به والتزم الطرفان تنفيذه, يدفع للتساؤل عن «مصير» التفاهمات والبيانات السابقة الخاصة بالمصالحة «الشاملة» والانخراط الكامل ــ بمعنى عدم استبعاد أي فصيل او حزب فاعل ــ داخل «منظمة التحرير الفلسطينية», وفق منظور وطني جاد وميداني, بعيدا عن احتكار الوطنية وتكرار سردية إطلاق اول رصاصة, في الثورة الفلسطينية المعاصرة, وغيرها من الذرائع والاداعاءات الرامية إبقاء حال الانقسام التي طالت, وعرّضت وما تزال تُعرِّض المشروع الوطني الفلسطيني الى التصفية, وليس فقط الى التراج?. ما عنى أيضا دفن أو طيّ مُخرجات الحوارات السابقة, وليس البناء عليها, بما في ذلك «جولتا» العاصمة الصينية/بيجين, ناهيك عن جولات موسكو, وقبلها ـ لمن لا يتذكّر ــ حوارات القاهرة العديدة, و«دردشات» الدوحة التي كانت تتم, على هامش زيارات رئيس سلطة الحكم الذاتي للعاصمة القطرية.
ثم ماذا عن التسريبات والأنباء المتباينة, التي تتحدث عن «اقتراحات», تم تقديمها من جهات عربية وأخرى أميركية/إسرائيلية. أحدها نص على تشكيل لجنة «محلية» لإدارة غزة «منفصلة» عن السلطة، وآخر/الثاني رأى تشكيل إدارة (عربية ــ أميركية ــ إسرائيلية)، فيما دعا «ثالث» الاقتراحات الى تشكيل إدارة (أميركية ــ إسرائيلية- فلسطينية). وقيل ان ثلاثتها «لم تُقبَل» على ما نُسِبَ الى مسؤول «رفيع» في حركة فتح, الذي أضافَ: ان الاقتراح الذي حظي بموافقة الحركة/فتح, هو اقتراح «مصري» نصّ على تشكيل «لجنة مُجتمعية» لمساندة قطاع غزة، يتم?تشكيلها بمرسوم صادر عن رئيس السلطة، وتعمل كـ«ذراع للحكومة الفلسطينية» في القطاع.
أي اقتراح من بين هذه الاقتراحات سيجد طريقه الى القبول والتنفيذ؟. وما هي فرص نجاح اتفاق فتح وحماس الأخير؟. وهل يملك المُوقعون على «تفاهم القاهرة» اوراقا كافية لوضع اتفاقهم موضع التنفيذ؟..الايام ستُخبرنا.
kharroub@jpf.com.jo