مدار الساعة - في العام 2018، زرعت شجرة في حدائق البيت الأبيض رمزا للصداقة بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس الأميركي يومها دونالد ترامب. لكنها تلفت بعد فترة قصيرة تزامنا مع بدء توتر العلاقة بينهما.
كلّ على طريقته، كسر الزعيمان القواعد السائدة وقت وصولهما إلى سدّة الرئاسة في العام 2017. وجمعتهما بداية علاقة خاصة اختلطت فيها مبادرات التودّد بموازين القوى.
بدأ "شهر العسل" سنة 2017 في باريس بمأدبة عشاء في برج إيفل واستعراض عسكري بمناسبة العيد الوطني الفرنسي في 14 تموز/يوليو سعى الرئيس الأميركي إلى تقليده في واشنطن لكن من دون جدوى.
وفي العام التالي، زار الرئيس الفرنسي الولايات المتحدة. يومها، بادر الرئيس الأميركي السابق الى إزالة قشرة الرأس عن كتف ماكرون. وتصافح الرجلان بحرارة واستمرّت أطول مصافحة بينهما 29 ثانية.
لكن سرعان ما بدأت الانتقادات من كلّ حدب وصوب لاستراتيجية الرئيس الفرنسي الذي لم يفلح في ثني نظيره عن بعض القرارات المهمّة، مثل الانسحاب من اتفاق باريس حول المناخ أو التراجع عن الاتفاق النووي مع إيران.
ولفتت نيكول باشران المتخصصة في العلاقات الفرنسية الأميركية إلى أن "إيمانويل ماكرون يبالغ في تقدير قدرته على التأثير سياسيا بالتعويل على مهاراته" الشخصية.
ويدحض المقرّبون من ماكرون هذه الانتقادات باعتبار أن الرئيس أدّى واجبه حتّى لو لم تكن النتائج مرضية.
وأيّا يكن الرئيس الأميركي الجديد، يتوقّع إيمانويل ماكرون أن تصبح الولايات المتحدة أقلّ التفاتا إلى أوروبا، داعيا إلى أن تمسك القارة العجوز بمصيرها.
- "قرش" -
بات الفتور يخيّم على علاقة الرجلين بدفع من تغريدات قوية وتصريحات نارية. وازداد دونالد ترامب انتقادا لإيمانويل ماكرون الى درجة لم يتوان عن التنديد بـ"غبائه".
ولا شيء في حملته الانتخابية يشي بانفراجة في العلاقات، إذ يقلّد الزعيم الشعبوي الرئيس الفرنسي ولكنته ويهزأ منه ويتّهمه حتّى بـ"التملّق" للرئيس الصيني.
وفي حال فاز المرشح الجمهوري الذي اتّسمت حملته الانتخابية بالتشدّد والتفلّت من الضوابط، قد تكتسي العلاقات الفرنسية الأميركية ملامح مختلفة.
ولاحظت نيكول باشران أن "أيّا منهما لم يعد في الوضع الذي كان فيه في 2017. فترامب، إن فاز، سيكون منتشيا بنصره وسيشعر بأنه لا يقهر في وجه ماكرون الذي أضعفته مشاكل سياسية داخلية".
وشبّهت ترامب "بسمكة قرش تحدث جرحا مميتا في حال اشتمّت دما".
وقد تكون المواجهات محمومة بين الرجلين على عدّة جبهات، منها الدعم لأوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط والمناخ والتجارة. وقد يتسارع الانسحاب الأميركي من عدّة ملّفات بوتيرة فائقة، وفق محلّلين فرنسيين.
وفي حال كانت الرئاسة الأميركية من نصيب كامالا هاريس، تتوقّع باريس علاقة أكثر تقليدية كما كانت الحال إبّان عهد جو بايدن، لكنها لن تكون خالية من الخيبات، إذ إن الولايات المتحدة تنحو نحو الانسحاب من عدّة جبهات.
- أوروبا ليست أولوية -
وإن كان ماكرون يشيد بالدعم الذي ما انفكّ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن يعرب عنه لكييف وللأوروبيين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد لا يخفى عليه أن واشنطن تفضّل أن تبقى تغرّد خارج السرب، أيّا كان سيّد البيت الأبيض.
والأمثلة على ذلك كثيرة، أبرزها الانسحاب الفوضوي من أفغانستان من دون استشارة الحلفاء، أو إقامة تحالف أميركي أسترالي بريطاني طعن فرنسا في الظهر وأفقدها صفقة ضخمة لبيع غواصات، فضلا عن قانون خفض التضخّم الذي ينصّ على استثمارات طائلة في مجال الانتقال على صعيد الطاقة والذي رأى فيه ماكرون حمائية "جدّ شديدة".
وفي خطاب في جامعة السوربون في نيسان/أبريل، صرّح الرئيس الفرنسي بأن "الولايات المتحدة الأميركية لها أولويتان، أوّلا الولايات المتحدة الأميركية وهذا من المسلّمات وثانيا مسألة الصين"، مشيرا إلى أن "أوروبا ليست ضمن أولوياتها الجيوسياسية للسنوات والعقود المقبلة".
أكان الرئيس الأميركي ديموقراطيا أو جمهوريا، ينصبّ تركيز الدبلوماسيين الفرنسيين على الجهة التي ستكلّف رسم ملامح السياسة الخارجية، لأن المعسكرين يعيشان تجاذبا بين نزعة انعزالية وأخرى تحبذ التدخل.
وقال أحد الدبلوماسيين الفرنسيين "لا نظن أن ترامب لديه سياسة كاملة سيطبّقها في حال فوزه". واورد آخر "في أي حال، ينبغي على الأوروبيين الكف عن التموضع بحسب الانتخابات الأميركية والإمساك بزمام أمورهم". ا ف ب