مدار الساعة - أشهر معهد السياسة والمجتمع اليوم الخميس كتابه (الانتقال الديمقراطي في الأردن: تجربة الأحزاب السياسية والانتخابات البرلمانية 2024) بدعم من برنامج تمكين التابع لصندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية. عمل على تأليف الكتاب كل من محمد أبو رمان، أستاذ الفكر السياسي في الجامعة الأردنية، والمستشار الأكاديمي لمعهد السياسة والمجتمع، ومحمد الأمين عساف، الباحث في علم الاجتماع السياسي والباحث غير المقيم في المعهد.
ويعد الكتاب مخرجًا لمشروع دراسة "الطيف السياسي الحزبي في الأردن بالتزامن مع الانتخابات النيابية 2024: دراسة مسحية ميدانية" الذي نفذه المعهد بدعم من الصندوق، حيث عمد الفريق البحثي للدراسة إلى إجراء مقابلات ميدانية مع أغلبية الأحزاب السياسية وعقد جلسات تركيز في العاصمة عمّان وعدد من المحافظات.
ويأتي الكتاب الذي يضم بين دفتيه خمسة فصول في وقت تشهد فيه البلاد مرحلة تحديث سياسي وانتخابات كان عنوانها الرئيسي الأحزاب السياسية الأردنية، لتبدأ مرحلة جديدة في البلاد وتنافس محموم من نوع آخر وطريقة مختلفة.
وبحسب المؤلفين، فإن المهمة الرئيسية للكتاب، هي تسليط الضوء على أهم التغيرات في شكل الساحة الحزبية، وتقسيمة التيارات السياسية فيها في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية، بعد عملية التحديث السياسي التي أدت إلى إنتاج واقع حزبي جديد، مبني على أسس غير تقليدية. واستجابة الأحزاب للتغيرات في محيطها على صعيد داخلي، سواءً على مستوى بنيتها الهيكلية أو العضوية. كما تركز الدراسة على أهم النقاشات التي تترافق مع إحداث تغيرات سياسية وديمقراطية في الدول بشكل عام والأردن بشكل خاص خاصة بعد النتائج التي عُدت من أوساط سياسية وشعبية بالمفاجئة والصادمة.
يبدأ الكتاب في الفصل الأول بالحديث عن التحديث السياسي وفقًا لنظريات علم الاجتماع السياسي، عبر تسليط الضوء على بعض النقاشات النظرية التي تساهم في تدعيم الحوارات العامة أو المتخصصة خاصة تلك التي أصبحت كثيفة وملحّة اليوم عند تناول تجربة التحديث السياسي ومحاولات ترسيخ حالة ديمقراطية. كما يتناول الفصل ما يتعلق بأسئلة الشرعية، وماهية مصادر الشرعية التي تؤسس لنموذج الديمقراطية، وكيف يمكن تثبيتها والوصول إليها، إلى جانب مسألة الهندسة الانتخابية، أحد أكثر المصطلحات إثارة للجدل، ووظيفتها وتعريفاتها والمخاوف المترافقة مع استخدامها.
ويخلص الفصل إلى أن المشروع الديمقراطي جدير، بل ضروري، والاستمرار في تأجيل تمرير مشروع تحول ديمقراطي إلى حين تحقيق شروط مسبقة لن يوصل إلا إلى ترسيخ المسافة الشاسعة بين البنى الاجتماعية والدولة. إلى جانب ذلك فإن الشرعية لتثبيت نظام سياسي ديمقراطي تتجاوز الشريعة القادمة من القواعد الجماهيرية، وشرعية الصندوق، حيث أن الشرعية لا تعني فقط "الاستحقاق" بقوة الجماعة والجمهور بل تعني أيضاً "الأهلية" والاقتدار على تمرير هذا الاستحقاق، وهو ما يعني ضرورة الاعتناء بمجموعة مصادر لشرعية التحولات الديمقراطية. كما ينظر الفصل إلى أن الأردن بات بحاجة لتجديد العقد الاجتماعي فبعد التغيرات التراكمية على صعيد الجغرافيا والاقتصاد وتوزيع الموارد، صار لابد من تطوير نموذج سياسي قادر على احتضان هذه التغيرات وخصوصاً الاجتماعي منها، كما يرى المؤلفان.
أما في الفصل الثاني فيحاول الكتاب أن يقدم صورة عمّا آلت إليه الساحة الحزبية بعد عملية التحديث السياسي. فيقرأ الفصل ابتداءً الشروط السياسية التاريخية التي شكلت المشهد الحزبي في البلاد، والظروف التي قادت التغيير في المشهد على مراحل متعددة، وصولاً إلى الشروط التي تقود بناء المشهد الحزبي حالياً. ثم يقدم صورة للساحة الحزبية ومن بقي فيها، راصدًا التغير الواقع فيها، كما يحاول الفصل تصنيف الأحزاب السياسية وفقاً لتوجهاتها السياسية، بناءً على مجموعة واسعة من الأسئلة تم توجيهها إلى الأحزاب السياسية، وبالاعتماد على منهج علمي في التصنيف.
وينتهي الفصل إلى أن الهوية الحزبية تكاد تكون غير واضحة إلا عند الأحزاب الأيديولوجية التقليدية، وبعض الأحزاب الجديدة. كما أن الأردن يغيب عنه حالة الاستقطاب -في المستوى الحزبي على الأقل- فتبقى الأحزاب جميعها في المساحة بين المحافظة والتقدمية دون الذهاب إلى الأطراف القصوى. كما أن حالة الاستقطاب الديني، وعلى الأقل في الميدان السياسي غير حاضرة، وتغيب أطياف الليبرالية المتطرفة والمحافظة المتطرفة. اقتصاديًّا من الواضح أن معظم الأحزاب الأردنية لديها مشكلة في موضعة نفسها بين المدارس الاقتصادية الكبرى، حيث أظهرت الدراسة أن 30% فقط من الأحزاب لديها إجابات واضحة تنبني على مرجعية فكرية للأسئلة الاقتصادية.
أما الفصل الثالث فيركز على قراءة التحولات التي وقعت في داخل الأحزاب السياسية خلال العامين الفائتين، بعد نفاذ التعديلات القانونية التي أوصت بها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ويبدأ الفصل بقراءة في التحولات المتعلقة بالعضوية والانتشار الجغرافي، حيث يناقش مدى الانتشار الجغرافي لكل حزب من الأحزاب، ثم حجم العضوية فيها، وطبيعة هذه العضوية وتركيبة القواعد الحزبية، وخصوصاً ما يتعلق بعضوية الشباب والنساء. كما يسلط الضوء على تطور هياكل الأحزاب وبناها الداخلية، وخصوصاً ما يتعلق بنماذج البنية الحزبية، والتراتبيات فيها، وهياكلها الإدارية، ومدى توسع الأقسام، وخصوصاً ما يتعلق بالأجنحة والأقسام الشبابية والنسوية، وأقسام الإعلام، وأهم أدواتها.
وتوصل الفصل إلى أن الأحزاب الأردنية تنتشر في المحافظات الأردنية بشكل متفاوت إلى حد بعيد، ففي حين يوجد 39 حزباً مرخصاً، فإن عدد المقرات الحزبية لكل الأحزاب هي 188 مقراً بما فيها المقرات الرئيسية. ما يعني أن الأحزاب بصفة عامة لم تصل حتى الآن إلى حد تغطية 40% من جغرافيا المملكة. وقرابة ربع المقرات الحزبية تعود إلى حزب واحد، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي. كما أن الأحزاب الأردنية في غالبها لديها مشكلة حقيقية إما في فهم أهمية حضورها في الأوساط الاجتماعية بشكل ملموس، وإما في قدرتها على الحضور. وهذا ينبع من مشاكل إما في القدرات التخطيطية والتنفيذية أو الموارد وإدراكها لأهمية التواصل الفعال بالوسائل التقليدية والحديثة.
أما الفصل الرابع فيركز على الواقع الانتخابي الجديد بما فيه شروطه الموضوعية والممارسة الحزبية. حيث يقدم قراءة متعلقة بالشروط الجديدة للعملية الانتخابية التي يفرضها قانون الانتخاب الجديد، وماهية موارد القوة فيها وفقاً لهذه الشروط، ثم الدور المرجو من المؤسسات الحزبية في هذه العملية، وماهية التزاماتها تجاهها. أما القسم الثاني من الفصل فقد ناقش المشهد الحزبي في الانتخابات والتحالفات والبرامج الانتخابية والآليات التي اتبعتها الأحزاب في بناء قوائمها على الصعيدين المحلي والصعيد الوطني. ثم يقدم قراءة في البرامج الانتخابية وآليات بنائها وصياغتها، والحملات الانتخابية للأحزاب، والمضامين التي حملتها، والدلالات التي عبر عنها.
وينتهي الفصل إلى أن قانون الانتخاب الجديد فتح بابًا جديدًا من المنافسة، وهنا مكمن الأهمية، إذ ما يقارب ثلث مقاعد مجلس النواب لا يمكن الوصول إليها دون حزب سياسي يملك برنامجًا انتخابيًّا، مما يفرض إجبارات تحتم على الأحزاب أن تعبر قواعد اجتماعية جديدة أكثر اتساعاً، وأكثر تنوعاً، ما يعني قدرتها على بناء هوية تتجاوز المحددات الإقليمية أو الاجتماعية أو الجغرافية.
في فصل الكتاب الخامس والأخير يقدم الكتاب قراءة معمقة حول المرحلة القادمة، ويقف بدايةً على دلالات النتائج التي بدت صادمة لغالب الجمهور الانتخابي. ويحاول أن يشرح الأرضية المنطقية التي قادت إلى نتائج الانتخابات الأخيرة، وكيف تأثرت النتائج بظروف داخلية وخارجية، وكيف تأثرت أيضاً بطبيعة البنية القانونية للمرحلة وكيفية استجابة الأحزاب لها. ما يسلط الضوء على آثار النتائج، ومستقبل الانتقال الديمقراطي في الأردن، واضعًا مجموعة من المحددات التي تقود الانتقال إلى المرحلة القادمة، ثم يقدم مجموعة من السيناريوهات ويدعمها بعدد من المؤثرات على كل واحد منها.