واضح تمامًا مما يتم تداوله عبر منصّات التواصل الاجتماعي، وما يدور في الجلسات سياسية أو عائلية أو فردية حتى، أن هناك أزمة ثقة بين الشارع والحكومة، ليس الحكومة الحالية تحديدا وانما الحكومات المتعاقبة، على أن كل حكومة منها تورث لاحقتها تلك الأزمة مع الشعب.
هذه الأزمة ومظاهرها لا يمكن انكارها، أو غض الطرف عنها، وهي حصيلة سياسات حكومية متوالية على رأسها ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية التي افقدت المواطن ثقته بما يصدر عن الحكومة في أي شأن، ناهيك عن ما يتردد عن مظاهر فساد، منها ما هو حق وثبت قانونا ومنها ما يتداول على شكل شائعات، لكن بالنتيجة تأثيرها واحد عندما تفقد الثقة بالحكومة واجراءاتها في هذا الملف.
لم أكن أدرك بأن أزمة الثقة هذه، ستأخذ المواطن الى تحليلات توصله بالنهاية الى ان الحكومة هي السبب في أي قرار سلبي، كما حصل في الأحاديث والآراء حول القرار الأخير لنقابة الأطباء برفع أجور معالجات الأطباء وعودتها عن القرار في وقت لاحق من يوم السبت الماضي.
أزمة الثقة دفعت بالبعض الى الاعتقاد بان قرار نقابة الأطباء جاء نتيجة اتفاق نقابي حكومي على أن تغض الأخيرة الطرف عن قرار رفع أجور الأطباء مقابل صمت النقابة على مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يتوقع احالته الى مجلس الامة في دورة استثنائية مرتقبة، في خطوة استباقية لضمان عدم معارضة النقابة للمشروع وتحشيدها ضده شعبيا كما حدث في احتجاجات الدوار الرابع.
طريقة التفكير هذه مؤشر واضح أمام الحكومة على مدى أزمة الثقة التي وصلت في علاقتها مع شعب أضحى لا يصدق شيئا، بل يفسر كل قرار وان كان في صورته ايجابيا على أنه قرار التفافي لتحقيق غاية ما، دون الاستناد الى أية حقائق واضحة، لكن هذه الحالة لم تأت من فراغ وانما من سياسات حكومية متلاحقة خلقت أزمة الثقة ومن ثم عمقتها عاما بعد عام.
من جهتي أجزم تماما بأن قرار نقابة الأطباء نابع من ذاتهم، ولا دخل للحكومة به لا من قريب أو بعيد، وهو قرار خاطئ لم يدرس نهائيا لا مضمونا ولا توقيتا، ولا يمكن أن يكون للحكومة يد فيه، ذلك أن الحكومة تعاني الآن من صعوبة ترويج قرارتها الاقتصادية، فما حاجتها الى تحميل نفسها قرارات نقابية غير شعبية.
ما ذهبت اليه، من المفروض أن يكون واضحا للشعب بأكمله، لكن للأسف فان المواطن، أصبح يصدق كل شيء عن الحكومة ما هو حقيقي وما يشاع، لكنه ليس المسؤول عن هذه الحالة وانما الحكومات لأسباب أخرى كثيرة لا مجال لتفصيلها في هذه المقام.
لن أعلق على قرار نقابة الأطباء لسبب واحد وهو تراجعها عنه، والتراجع عن الخطأ فضيلة، لكن ثمنه كان صعبا عليها، رغم التراجع، فهي الآن حالها حال الحكومة في معادلة الثقة الشعبية، فكل منهما يحتاج الى خطوات هامة نحو استعادة هذه الثقة خلال الأيام المقبلة.
الدستور