إسرائيل بعد السابع من أكتوبر (2023) تلقت ضربة قوية على مستوى الاستخبارات وهيبة الدولة وبشرياً، وهي تستحقها بجدارة بسبب مسارها الإرهابي والنازي منذ ما قبل قيام دولتها عام (1948) على أكتاف عصابات الإرهاب مثل (شتيرن، والأرجون، والهاغاناه)، وعبر مؤسسة (الأيباك) لاحقاً منذ عام (1953) المناط بها تنظيم العلاقات الأمريكية – الصهيونية، والمحافظة على المد الجغرافي السياسي (الجيوبولوتيكي) على شكل إخطبوط وسط خارطة العالم.
ومهما بلغت نسبة انتقاد السابع من أكتوبر عالمياً، إلا أنه عبّر عن خسران حربين شنت إسرائيل إحداهما على العرب عام (1948) مستثمرة غياب وحدتهم وقوتهم العسكرية خاصة غير التقليدية منها التي ملكتها مبكراً، وشن العرب على إسرائيل مثيلاً لها عام (1967) بقرار قومي لم تُدرَسْ نتائجه على الأرض تماماً كما السابع من أكتوبر البطولي من طرف حماس – المقاومة العربية الإسلامية وبالتعاون مع إيران.
والدولة التي مهدت لاحتلال فلسطين وأراضي العرب هي المملكة المتحدة – بريطانيا عبر انتدابها، وشكلت أمريكا ومعها أوروبا غطاء لاحتلالات إسرائيل المتتابعة لأراضي العرب، واليوم يقف حلف (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حارساً لأمن إسرائيل في المنطقة العربية والشرق أوسطية معتبراً إياها خطاً أحمرَ، وخادماً إسناديّاً (لوجستيّاً) لمصالحهما المشتركة، ومعاً ينفذان الاغتيالات لرموز المقاومة، ويكرسان الاحتلال وجريمة الحرب البشرية النازية التي طالت مواطني فلسطين ولبنان إلى جانب من سورية واليمن والعراق.
وبناء عليه، فإن سحب حصانة إسرائيل، ومنع إرسال السلاح إليها وفقاً لتصريح وزير خارجية المملكة الأردنية الهاشمية السيد أيمن الصفدي بتاريخ (12 / أكتوبر / 2024)، وتماشياً مع البند السابع لمجلس الأمن قرار يُحترم، لكنه يبقى صعباً وخارج صندوق تفكير المجتمع الدولي على الرغم من أحقيته القانونية والأخلاقية.
ويبقى عرض اقتراح تفكيك إسرائيل من قبلي على الرأي العام العالمي مطلوباً الآن بعد جريمة الحرب الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية واللبنانية التي تقشعر لها الأبدان، وهي البالغ حجمها حوالي (44) ألف شهيد جُلُّهم من الأطفال. ومن الفلسطينيين في غزة من استُشهِد حيّاً وحرقاً في الخيام، والواجب محاكمة القيادة الإسرائيلية على هذه الجريمة.
ولقد أصبح استمرار وجود إسرائيل في منطقتنا العربية يشكل كارثة سياسية واقتصادية وإنسانية يجب تلافيها بالسرعة الممكنة، ويصعب اعتبار إسرائيل وطناً فوق أرض فلسطين وأراضي العرب حسب تفكير قادتها، في وقت لا تعترف فيه إسرائيل بفلسطين وبالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، حسب قرار الأمم المتحدة رقم (242)، وفلسطين كاملة وقدسها باقية عربية، وعمقها إسلامي مسيحي.
وباستمرار شريعة الغاب خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن لن تصبح إسرائيل يوماً خطاً أحمر، وإنما ستصبح شكلاً لعمل مشترك مع أمريكا وبريطانيا ومن يساندها في الغرب، وهدف الغرب مجتمِعاً تمزيقُ وحدة العرب المنشودة التي دعتهم إليها ثورة العرب الكبرى الهاشمية عام (1916) بقيادة شريف العرب وملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه.
ومجزرة إسرائيل المستمرة يجب أن تدفع ثمنها إن لم يكن بالقانون فبغيره، ونيران المقاومة العربية لن تهدأ، ولم يعد للسلام العربي مع إسرائيل معنًى يقدَّر، وما هو إلا خط ساخن لخدمة العلاقات الخارجية بحدودها الدنيا، والسفير الأمريكي السابق في الشرق الأوسط رايان كروكر يحذر إسرائيل من استمراها العدواني، ويذكرها بمواصلة إيران لمشروعها النووي، وبتأسيس حزب الله بعد اجتياح جنوبيّ لبنان عام (1982).
ومن الجدير ذكره هنا هو أن جوزيف ستالين اقترح عام (1950)، أي بعد خمسة أعوام على نهاية الحرب العالمية الثانية التي انتصر فيها بوضوح السوفييتُ وبقيادته إلى جانب جيورجي جوكوف القائد الميداني لها، توجيه اليهود إلى إقليم القرم على ضفاف البحر الأسود أو إلى سخالين على حدود اليابان.
وشخصياً، أقترح حالياً توجيههم إلى إقليم (ألاسكا) الأمريكي – الروسي الأصل، وهو الأقرب بالنسبة إلى يهود إسرائيل من أمريكا راعيتهم، وحتى من روسيا الاتحادية صاحبة الحضور السكاني (الديمغرافي) في العمق الإسرائيلي، انطلاقاً من منطقة "باراذبيجان". وفي المقابل تعمل روسيا حالياً كما رشح لي على تجهيز منطقة جغرافية قرب مدينة (أوديسا) لاستقطاب يهود العالم. ومع هذا وذاك تعمل الحكومة الإسرائيلية على توجيههم للاستيطان في قطاع غزة المنكوب، وهو الأمر المخالف للقانون الدولي وأوراق الأمم المتحدة، وتتصرف إسرائيل كما هو معروف - وأذكر دائماً - فوق القانون الدولي كما أمريكا تماماً، وفي مثل هذا التوجه مخالفة صريحة لمعايير عمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
فلسطين الأكثر عراقة في منطقتنا العربية، وجذورها راسخة في عمق التاريخ المعاصر قبل (5000) عام، وعرفها الكنعانيون أولاً، وعرفت إسرائيل بأنها مارقة في تاريخ المنطقة عبر ثمانين عاماً فقط، ولم تنجح التوراة الآن في تثبيت اسم مملكة إسرائيل، ولا وجود حتى الساعة لهيكل سليمان المزعوم، وورود عبارة "شعب الله المختار" في توراة اليهود، وعبارة الشعب المقدس، جعل إسرائيل تتصرف على أنها دولة فوق القانون، ولحقت بها دولة أمريكا العظمى بسبب الامتداد اليهودي إلى هناك. وقال الله سبحانه وتعالى لنا - نحن المسلمين - في محكم آياته ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ (سورة آل عمران 110). والملحوظ هو أن اليهود لم يحافظوا على إطراء التوراة لهم، في حين حافظ المسلمون على رسالة الخالق لهم، وفي نهاية المطاف كلنا في هذه المنطقة أحفاد إبراهيم الخليل جدّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً.
من المهم قوله هنا: إن تغول أحادية القطب بقيادة حلف (الناتو) وأمريكا جعل من إسرائيل أداة للسطو على المنطقة العربية والشرق أوسطية عموماً، وعينهم على تنفيذ سياسة " فرِّقْ تَسُدْ" السومرية الأصل، ومنذ زمن استعمار القرن التاسع عشر، وظهرت اتفاقية سايكس – بيكو عام (1916) أجندة لها، وعززها وعد بلفور (1917 )، ومن أجل هذا تم تسليح إسرائيل بترسانة نووية كشف أعمالها الخبير مردخاي فعنونو عام (1986) عبر صحيفة "صنداي تايمز"، وأكثر ما يقلق إسرائيل اليوم قنبلة إيران التي تخطط لها، وبإمكانها لو امتلكتها إيران فعلاً أن تقلب ميزان المنطقة عسكرياً رأساً على عقب. ويخيف إسرائيل شروع العرب في الذهاب إلى الوحدة الحقيقية، وتخطط في المقابل - وتساعدها أمريكا في ذلك - على نشر السلام مع العرب دولةً دولةً لكي تدفعهم للالتفاف حولها وليس حول أنفسهم وحول وحدتهم.
ولقد نجحت روسيا الاتحادية العظمى في المقابل في تشكيل توجه عالم متعدد الأقطاب ينصف قضايا العالم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضايا العرب وإبعادها عن الاحتلال والاستيطان، وهو الذي يعترف بسيادة كل دولة على خارطة العالم، ويمنع التغول، وأول خطوة له بالتوجه لجمع شرق العالم وجنوبه في ميدان واحد مع إبقاء الباب موارباً على الغرب؛ لعل ضميره يصحو ويبتعد عن الحرب الباردة وسباق التسلح وصناعة الأزمات والحروب لصالح نشر التنمية الشاملة، ولما فيه كل الخير للبشرية كافة، واجتماع "البريكس" في قازان عاصمة تتارستان مؤخراً بتاريخ (24 أكتوبر / 2024) خير مثال.