صدرت قبل أيام ثلاث إرادات ملكية سامية تخص مجلس الأعيان؛ الأولى تقضي بحل المجلس السابق والثانية بتشكيل مجلس أعيان جديد والثالثة بتعيين رئيس للمجلس لمدة سنتين شمسيتين وذلك وفق أحكام الدستور. ويبقى اللافت للنظر أن هذه الأوامر الملكية التي تخص مجلس الأعيان قد صدرت متزامنة ومع بعضها البعض، بحيث ترافق مع حل مجلس الأعيان السابق إعادة تشكيله وتجديد الثقة برئيسه دون أن يتم تغييب المجلس المعين عن المشهدين السياسي والدستوري.
وقد تكرر هذا التزامن في حل مجالس الأعيان وتعيين مجالس جديدة خلال السنوات الماضية؛ فمجلس الأعيان الثامن والعشرين قد جرى حله بتاريخ 30/10/2022 وتعيين مجلس الأعيان التاسع والعشرين في اليوم ذاته، وكذلك الحال بالنسبة لمجلس الأعيان السابع والعشرين الذي تقرر حله وتعيين مجلس جديد بتاريخ 27/9/2020، بالإضافة إلى العديد من المجالس السابقة التي كان يتصادف حلها مع تعيين بديل عنها في اليوم ذاته أو في اليوم التالي كحد أقصى.
عليه، فإن الممارسة الثابتة فيما يخص مجلس الأعيان في النظام الدستوري الأردني تقوم على مبدأ أن «مجلس يُسلّم مجلس»، حيث تتزامن الإرادة الملكية بحل مجلس الأعيان مع اختيار رئيس وأعضاء جدد في المجلس الجديد مباشرة، بشكل يمكن معه القول بأن مجلس الأعيان في الأردن لا يتم تغييبه على الإطلاق. ذلك على خلاف الحال بالنسبة لمجلس النواب المنتخب الذي أجاز المشرع الدستوري غيابه لمدة لا تتجاوز أربعة أشهر بعد صدور القرار بحله، وذلك عملا بأحكام المادة (73/1) من الدستور.
إن مجلس الأعيان يبقى موجودا خلال الفترة التي يُحل فيها مجلس النواب حتى وإن كان المشرع الدستوري قد حظر عليه عقد أي جلسة خلال فترة غياب المجلس النيابي للحل، حيث تنص المادة (66/2) من الدستور على أنه «إذا حُل مجلس النواب توقف جلسات مجلس الأعيان».
أما المبررات الدستورية لإبقاء مجلس الأعيان قائما حتى خلال فترة حل مجلس النواب وإعمال مبدأ أن المجلس القديم يُسلّم المجلس الجديد، فتتمثل في ضمان تطبيق جملة من التشريعات الوطنية التي صدرت وفق أحكام الدستور، والتي سيتوقف تنفيذها في حال جرى تغييب مجلس الأعيان ورئيسه. وهو الأمر الذي قد يخشى معه القول بأن هناك مخالفات دستورية تتمثل بوجود قوانين وأنظمة نافذة صدرت وفق أحكم الدستور، إلا أنه لا يتم تفعيلها وتنفيذ نصوصها على أرض الواقع.
ففي مقدمة هذه القوانين التي بحاجة إلى استمرارية وجود مجلس الأعيان ورئيسه لغايات تطبيقها قانون الموازنة العامة، الذي دائما ما يجري تضمينه حكما تشريعيا مفاده أن يتولى رئيس مجلس الأعيان صلاحيات رئيس الوزراء ومجلس الوزراء ووزير المالية فيما يتعلق بالأحكام المالية والإدارية المتعلقة بمجلس الأمة كما وردت في قانون الموازنة، وأن صلاحياته تمتد لتشمل مجلس النواب إذا كان المجلس المنتخب منحلا. وهذا الحكم قد جرى النص عليه في المادة (7) من قانون الموازنة العامة الأخير لعام 2024.
وقد صدر مؤخرا تشريع جديد يستلزم الإبقاء على مجلس الأعيان ورئيسه قائمين لغايات تنفيذ نصوصه وأحكامه؛ وهو نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام رقم (33) لسنة 2024، الذي عرّف الوزير لغايات تطبيقه في المادة (2) منه بأنه يشمل رئيس مجلس الأعيان فيما يتعلق بموظفي مجلس الأعيان، وفيما يخص موظفي مجلس النواب إذا كان المجلس منحلا.
إن هذا النظام الأخير يضاف إلى مجموعة أخرى من التشريعات الوطنية التي تتضمن الحكم القانوني ذاته، الذي يستلزم بالضرورة الإبقاء على رئيس مجلس الأعيان لغايات تنفيذ أمور إدارية ومالية تخص موظفي مجلس الأعيان والعاملين في مجلس النواب في حال غياب المجلس المنتخب بسبب الحل، مثل نظام الأبنية الحكومية لعام 2007، ونظام الانتقال والسفر لعام 1981، والتشريعات الناظمة للضمان الاجتماعي بالنسبة لموظفي ومستخدمي مجلس الأمة.
إن التمسك برئيس مجلس الأعيان لغايات تنفيذ نصوص القانون يعني حكما بقاء المجلس المعين بكامل أعضائه، فلا يقبل دستوريا حل مجلس الأعيان مع الإبقاء على رئيسه.
أستاذ القانون الدستوري - عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com