عطفا على مقالتنا المنشورة الخميس الماضي 24/10, تحت عنوان: (انتوني بلينكن «يكتب» عن: استراتيجية «التجديد» الأميركية!!). التي أضأنا فيها على مقالة رئيس الدبلوماسية الأميركية (الأكثر فشلا وعنصرية من بين وزراء الخارجية الأميركيّين في العقدين الأخيرين). والتي نشرها في العدد الأخير من مجلة «فورين أفيرز» الأميركية. حيث لم يُخصص سوى (300 كلمة من بين 5000 كلمة), تتضمّنتها مقالته الطافحة بالأكاذيب والتحريف والإنحياز الصارخ للرواية الصهيونية. لأسباب وتداعيات حرب الإبادة والتهجير والتطهير العِرقي, المتواصلة فصولا كارثية في القطاع الفلسطيني المنكوب.
فإن ما هدف اليه بلينكن من مقالته هذه, هو تحميل ما أسماها «القوى التعديلية» مسؤولية ما بات العالم عليه من أزمات وعسكرة للعلاقات الدولية, وبروز المزيد من بؤر التوتّر والحروب والتصدّعات والاصطفافات, المؤدية إذا ما استمرت ولم يتم كبحها, الى الانزلاق لما هو أسوأ وأكثر خطورة على الأمن والسِلم الدوليين.
يمكن تلخيص مقالة بلينكن هذه, التي جاءت تحت عنوان: (استراتيجية التجديد الأميركية: إعادة بناء القيادة في عالم جديد), على النحو الذي نشرته المجلة الأميركية, ما يمنح القارئ فرصة الوقوف على ما سعى اليه المسؤول الأميركي, الذي يستعد لمغادرة موقعه الرفيع, دون ان يترك إرثا إيجابياً.. سياسيا ام دبلوماسيا, ما بالك أخلاقيا وإنسانيا يُعتدُ به او يُفاخر به, كما فاخر بـ«يهوديته», مُقدِماً إياها على هويته الوطنية/ الأميركية.
يزعمُ بلينكن ويدّعي أنه: تجري حالياً منافسة شرسة, لرسم معالم عصر جديد على الساحة الدولية. في الواقع ــ يُضيف ــ تسعى «مجموعة صغيرة» من الدول، وعلى رأسها روسيا، بالشراكة مع إيران وكوريا الشمالية، وكذلك الصين، على تغيير «المبادئ الأساسية للنظام الدولي». على رغم اختلاف نُظم حكمها وأيديولوجياتها ومصالحها وقدراتها، فإن هذه (القوى التعديلية), التي تسعى إلى تغيير النظام العالمي القائم, تريد جميعها «ترسيخ الحكم الاستبدادي في الداخل», و«فرض مجالات النفوذ في الخارج»، وترغب جميعها في «حل النزاعات الإقليمية بالإكراه أو القوة». وهي تعمل على «استغلال اعتماد الدول الأخرى على الاقتصاد والطاقة كأداة ضغط». وتسعى إلى «تقويض أسس القوة الأميركية» المتمثلة في (تفوق الولايات المتحدة العسكري والتكنولوجي، وعملتها المهيمنة، وشبكة تحالفاتها وشراكاتها التي لا مثيل لها». وعلى رغم أن هذه البلدان لا تشكل محوراً واحداً متكاملاً، وأن الإدارة الأميركية أوضحت أنها لا تسعى إلى مواجهة بين الكتل، فإن «الخيارات التي تتخذها هذه القوى التعديلية, تعني أننا في حاجة إلى التصرف بحزم في سبيل منع حدوث ذلك».
فهل ثمة مغالطات وتزوير للحقائق ومحاولة يائسة, لإخفاء تراجع النفوذ الأميركي وارتفاع منسوب الرفض لما يُسمى «الاستثنائية الأميركية», وتفرّد واشنطن في قيادة العالم, عل النحو الاستعلائي المتغطرس, الذي جاء في مزاعم بلينكن وروايته المُضللة, لما يجري في عالم اليوم المأزوم والمُحتقن, بسبب الهيمنة الأميركية؟.
لنبدأ في مناقشة «بعض» الأوصاف, ألصقها بلينكن بـ«القوى التعديلية», التي في نظره أربع دول هي: «روسيا, الصين, إيران وكوريا الشمالية». حيث كوصف «اول» لبلينكن, الذي قال: تسعى «مجموعة صغيرة» على رأسها روسيا، بـ«الشراكة مع إيران وكوريا الشمالية، وكذلك الصين، إلى تغيير «المبادئ الأساسية للنظام الدولي». هذا ما زعمه بلينكن دون ان يُعرِّف مصطلح النظام الدولي الذي قصده, وما هي المبادئ الأساسية لهذا النظام الدولي؟. الذي دأبت إدارة بايدن تحديدا على وصفه بـ«النظام الدولي القائم على القواعد». أي قواعد؟ ومَن وضعها؟. لا أحد يعرف سوى المُهيمِن الأميركي ومحافِله المعروفة.
نأتي الى وصف ثانٍ؟
إدّعى بلينكن ان القوى التعديلية جميعها «تُريد ترسيخ الحكم الاستبدادي في الداخل», و«فرض مجالات النفوذ في الخارج»، وترغب جميعها في «حل النزاعات الإقليمية بالإكراه أو القوة». فهل هذه الاتهامات المزعومة, تنطبق حقا على تلك البلدان (الخاضعة جميعها «وليس صدفة بالطبع» الى عقوبات أميركية وأوروبية قاسية وغير مسبوقة)؟. ماذا عن سِجل الولايات المتحدة وإرث حروبها وعدوانيتها, وخصوصا جرائم الحرب التي قارفتها في معظم دول العالم, خاصة في منطقتنا العربية وفيتنام, دون ان ننسى عار «تفرّدها» في إلقاء «اول» قنبلة ذرية في التاريخ, على مدينة هيروشيما اليابانية و«ثانية» على شقيقتها ناكازاكي؟
ماذا عن وصف ثالث؟. زعم بلينكن ان القوى التعديلية تسعى الى («تقويض» أُسس القوة الأميركية, المتمثلة في «تفوق» الولايات المتحدة العسكري والتكنولوجي، و«عملتها المُهيمنة»، وشبكة تحالفاتها وشراكاتها التي لا مثيل لها). فأين «الجريمة» التي ترتكبها هذه القوى و«غيرها», إذا ما سعت «سِلمياً» الى منافسة واشنطن في احتكارها لتلك «الميزات», التي تفرّدت ببعضها بفضل جهود علمائها، فيما «تغوّلت» في مسائل أخرى وعلى رأسها قوتها العسكرية, التي ارهبت بها معظم دول العالم بعسكرتها للعلاقات الدولية, ونشر قواعدها العسكرية التي تكاد تصل الى «ألف» قاعدة في معظم دول العالم, ما بالك استخدامها العدواني والوقح لهيمنة الدولار, لمعاقبة مَن يخرج على طاعتها, عبر منعه استخدام نظام «سويفت», الذي تحتكره واشنطن؟
في السطر الأخيرة تبدو مقالة بلينكن أقرب استدراك مُتأخر, لحال التراجع المتدحرج التي هي عليها الآن الولايات المتحدة, وبخاصة في عهد متعهد حرب الإبادة والتطهير العِرقي للشعب الفلسطيني, بدعمه جيش وحكومة الفاشية الصهيونية. ومتنصلا من الاتفاقات التي نظّمت علاقات بلاده بالصين في ما يتعلق بتايوان.
kharroub@jpf.com.jo