الواضح للعِيان هو أن كل دول العالم الممثلة في الأمم المتحدة، والبالغ تعدادها (193) دولة خاضعة للقانون الدولي، وتنفرد الولايات المتحدة الأمريكية إحدى الدول الكبرى المؤسسة للأمم المتحدة عام (1945) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى جانب إسرائيل عضو الأمم المتحدة عام (1949) بعدم الامتثال للقانون الدولي وقراراته الدولية ذات العلاقة بالشأن الإقليمي والدولي الهام، وبالأخص بقضايا العرب وفي مقدمتها الفلسطينية العادلة، وما له علاقة بالدولة الروسية العظمى في مجال سباق التسلح وانتشار السلاح النووي الخطِر والثقيل. ومثلي هنا الرد الإسرائيلي – الأمريكي وبالتعاون مع حلف (الناتو) المبالغ فيه على حادثة السابع من أكتوبر (2023) البطولية من جانب حركة المقاومة الإسلامية حماس، وغير المحسوبة نتائجها من جانب آخر، وهي التي انفجرت تحت شعار "الضغط يولد الانفجار"، وللثأر لنكبة عام (1948) ونكسة عام (1967).
كان بإمكان إسرائيل الاحتلالية الاستيطانية العدوانية أن تتمثل للقانون الدولي الذي ناداها لمغادرة الأراضي العربية التي احتلتها عام (1967)، وهو القانون الذي اعترف بوجودها فوق الأراضي الفلسطينية عام (1948) بعد التفاف الصهيونية على الأمم المتحدة عام (1947)، وتقسيم فلسطين إلى دولة عبرية قامت ودولة عربية لم تقم حتى الساعة، وسبق للعرب أن رفضوا قرار التقسيم آنذاك لقدسية كامل فلسطين، وهي التي يتمسك بها الشعب الفلسطيني الجبار المناضل، وكل شعوب العرب وبكامل عمقهم الأيديولوجي الإسلامي والمسيحي.
وشكل عدم امتثالها للقانون الدولي طريقاً خِصباً للسابع من أكتوبر، الذي قابلته إسرائيل وأعوانها بحرب إبادة لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الثانية (أكثر من 43 ألف شهيد جُلّهم من الأطفال)، وأظهرت إسرائيل نازيَّةً تفوقت على شبيهتها الهتلرية، فاستحق نتنياهو لقب أدولف هتلر الثاني.
واستثمرت إيران في المقابل - وبكل ما لديها من إيجابيات وسلبيات - خروج شارون من غزة عام (2005) لتتفرغ وحماس والمقاومة الفلسطينية لبناء قطاعٍ غَزِّيٍّ تحت الأرض من الأنفاق تجهيزاً ليوم السابع من أكتوبر، الذي اتفقت معه المقاومة العربية والشعوب العربية وأدانه النظام السياسي العالمي، وطورت بناء آخر جنوبيَّ لبنان لتحصين حزب الله، ومدت الحوثيين اليمنيين بالسلاح، وحزب الله العراق ليوم المسافة صفر مع إسرائيل.
وكتاب (الخيارات الصعبة) لهيلاري كلينتون وزيرة خارجية أمريكا السابقة كشف لنا صناعة أمريكا لتنظيم الدولة الإسلامية (القاعدة) الإرهابي، وهو الذي عرف وسط الربيع العربي بتنظيم (داعش)، وبحسب كلينتون، فإنه تم الاتفاق للاعتراف بالتنظيم بتاريخ (5 /7 / 2013)، بالتنسيق مع أوروبا وزيارة (112) دولة عالمية لهذا الغرض.
وبالمناسبة، فإن كل التنظيمات الإرهابية التي كنا نسمع عن نخرها للكثير من دول العرب والعالم، لم نلحظْها - وهي التي غطت رأسها بالدِّين زوراً - تقارع إسرائيل المعتدية على بلاد العرب في فلسطين، وفي لبنان، واليمن، حتى بعد ارتكاب إسرائيل مجزرة نازية بحق الفلسطينيين واللبنانيين، ومازالت تواصل مجزرتها وحرب الإبادة، وهذا الأمر يؤشر على انغماس التنظيم الإرهابي (القاعدة) وفروعه بعمل الموساد الإسرائيلي، ولدرجة تلقي العلاج سابقاً في المستشفيات الإسرائيلية إبان الربيع العربي.
ونلحظ في منطقتنا العربية أن أمريكا تعمل متعهداً عند إسرائيل عبر ازدواجية مدهشة، بحيث لا يتحدثان بالمطلق عن مجازر إسرائيل اليومية بحق مواطني فلسطين ولبنان، ويخططان لعقد سلام إسرائيلي مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، وزيارة وزير خارجية أمريكا أنطوني بلينكين للرياض ولقائه وليَّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دليل قاطع، والمعروف للرأي العام العالمي أن السعودية هي من بادرت بعرض سلام على إسرائيل مقابل انسحابها الكامل من الأراضي العربية، وكان ذلك في قمة العرب في بيروت عام (2002) في عهد ولي عهد السعودية الأمير فهد بن عبد العزيز، وهو ما رفضته إسرائيل ونسقت مع أمريكا بشأنه، وعينهما على مد رقعة الاستيطان في المناطق العربية المحتلة مستغلتَين غياب وحدة العرب، وعدم امتلاكهم للسلاح النووي غير التقليدي الذي تمتلكه إسرائيل على شكل ترسانة متكاملة، وهو الذي كشفه للعالم الخبير الإسرائيلي مردخاي فعنونو عبر صحيفة الصنداي تايمز منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
هذا، وإن الضربات الإسرائيلية لإيران، والإيرانية لإسرائيل، والتي تظهر على شكل (شو) عالمي، هدفها من الجانب الإسرائيلي على مستوى المُسيَّرات والاغتيالات التعبير عن الغضب الإسرائيلي – الأمريكي المشترك بسبب حَراك الذراع الإيرانية (المقاومة) المطاردة للاحتلال والاستعمار، ولمنع إيران من الوصول إلى إنتاج القنبلة النووية التي من شأنها إخماد سباق التسلح بينهم، وتهدف إيران لإثبات حضورها في المنطقة العربية والشرق أوسطية المناهض لإسرائيل وأمريكا معاً بعد استغلال غياب الوحدة العربية، وعدم وجود قوة عربية غير تقليدية متكافئة مع إسرائيل.
وخطة (النصر) الإسرائيلية في الحرب ضد المقاومة العربية (الأيديولوجيا) تشبه خطة (النصر) الأوكرانية التي أعلنها الرئيس فلاديمير زيلينسكي ضد روسيا، وبالتعاون مع الغرب الأمريكي، وسوف تفشلان معاً.
فالحق العربي واضح وضوح الشمس وفقاً لأحكام القانون الدولي وأوراق الأمم المتحدة، ولن تنجح أي قوة فوق القانون الدولي. والحق الروسي واضح في مواجهة من بدأ الحرب (العاصمة "كييف" ولإثبات الأحقية التاريخية والقانونية وسط الأراضي المحررة (الدونباس- دونيتسك ولوغانسك، وزاباروجا وخيرسون)، والتي لن تتراجع عنها حالة توقيع السلام. وكلما طالت الحرب الإسرائيلية خسرت إسرائيل حضورها في المنطقة، وهي الداعمة سلباً للحرب الأوكرانية من طرف "كييف"، وكلما طالت الحرب الأوكرانية أعطت فرصة لمزيد من التحريرالروسي حتى حدود نهر الدنيبر.
إن الفوقية الأمريكية التي تجر حلف "الناتو" الغربي خلفها لن تصل إلى نتيجة جراء مماحكة مكانة روسيا الاتحادية العسكرية وسط العملية الروسية الخاصة / الحرب الأوكرانية، فلقد أعلنت روسيا – بوتين إستراتيجية نووية جديدة مانعة لتزويد "كييف" بأسلحة بعيدة المدى من طرف الدول النووية الغربية، والتي عدّتْها روسيا صداماً نووياً مباشراً معها لا يحمد عقباه، والمعروف هو أن روسيا تمتلك قوة نووية عسكرية هي الأولى في العالم، وأية حرب ثالثة نووية يتم التخطيط لها في الغرب فستكون مدمرة لها أولاً.
وإن العقيدة العسكرية الروسية تستند إلى التمسك بعدم بدء الحرب النووية المباشرة من طرفها إلا في حالة الاعتداء على روسيا نووياً أو تقليدياً وبطريقة مكثفة. وسلام ضعيف خير من حرب مدمرة أكيدة، وإنهاء الحرب الباردة وسباق التسلح عنوان المرحلة الحالية والمقبلة خدمة للبشرية جمعاء ولقضاياها التنموية الشاملة، وللإنسان الأغلى فوق كوكب الأرض.