تتصاعد الحاجة اليوم لاستعادة الزخم في قطاع السياحة العلاجية في الأردن، وسط تحديات إقليمية ودولية معقدة تؤثر على حركة الزوار والسياح، فهي تمثل محورا استراتيجيا للأردن منذ سنوات، وقد كان الأردن في السابق وجهة مفضلة للعديد من المرضى من دول الخليج والدول المجاورة بفضل توفر بنية تحتية طبية متطورة وتكاليف علاجية تنافسية وخدمات متكاملة اعطته ميزة تنافسية عالية عن باقي المنطقة.
لكن الأحداث السياسية والاضطرابات في المنطقة، بما في ذلك العدوان المستمر على غزة وامتداد الصراعات إلى جنوب لبنان، تركت آثارا سلبية على هذا القطاع، والتفكير مليا في الأوضاع الأمنية بات يهيمن على قرارات الزوار، مما يتطلب من الأردن إعادة رسم إستراتيجياته لاستقطاب السياح في ظل هذه الظروف الصعبة.
زيارة رئيس الوزراء إلى وزارة الداخلية واجتماعه بالمعنيين من القطاعين العام والخاص حملت رسالة صارمة: لا مجال للتراخي، وعلى الجهات المسؤولة إزالة كافة العقبات فورا، فالقطاع الطبي في الأردن لا يمكن أن يظل رهين التعقيدات الإدارية أو بطء الإجراءات، والمطلوب هو خطوات حاسمة تترجم إلى نتائج ملموسة على الأرض، فالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص ليس خيارا، بل إلزام يفرضه الواقع.
نعم هو أمر حتمي للنهوض بواقع السياحة العلاجية بقيادة القطاع الخاص الذي يجب ان يكون هو المسؤول المحوري في آليات التسويق والاستقطاب وجذب المرضى، لانه الأقدر على ذلك، مقابل أن تساعد أجهزة القطاع العام على عمليات التنظيم وحسن إدارة وتنفيذ القوانين والتعليمات والأنظمة وتسهيل الإجراءات.
الأردن يجد نفسه أمام معركة مصيرية لاستعادة هيبته في السياحة العلاجية، لانه كان يوما وجهة أولى للسياحة العلاجية في المنطقة، لم يعد يملك رفاهية استنزاف فرصه، وتراجع أعداد الزوار، يضع تحديات كبيرة أمام القطاع، مما يفرض على الحكومة التحرك السريع لاستعادة الثقة وتقديم الأردن كخيار آمن وفعال. المواقع الطبيعية التي يتمتع بها الأردن مثل البحر الميت وحمامات ماعين والحمة الأردنية ليست أدوات للترويج فقط، بل يجب أن تتحول إلى منصات إنتاج فعلية للسياحة العلاجية، ولا بد من فتح أسواق جديدة في أفريقيا وجنوب آسيا ليس خطوة استباقية، بل ضرورة لتعويض خسائر الأسواق التقليدية، فالتباطؤ في هذا المجال يعني خسارة فادحة، خاصة في ظل النمو المتسارع للسوق العالمي الذي من المتوقع أن يبلغ 755.39 مليار دولار بحلول 2034. الإستراتيجية الوطنية للسياحة العلاجية (2023-2027) ليست مجرد حبر على ورق؛ يجب أن تتحول إلى أفعال تنفذ بسرعة وحسم، فالبنية التحتية الطبية المتطورة لن تكون كافية إن لم تُدعم بإجراءات حاسمة تجذب المرضى.
الخيار الآن واضح: إما أن يستعيد الأردن مكانته في هذا القطاع أو يخسر موقعه أمام منافسين لا ينتظرون، فالقطاع الطبي الأردني أثبت جدارته سابقا، لكن السمعة وحدها لا تكفي؛ السوق يحتاج إلى حسم وتحرك فوري. على الحكومة أن تتابع بفعالية وبسرعة، خوفا من أن يجد الأردن نفسه خارج دائرة المنافسة في سوق عالمي يتوسع بوتيرة متسارعة، والوقت ليس في صالحنا، والحكومة والقطاع الخاص لا يملكان رفاهية الانتظار.