ثمة من يسأل كيف يمكن للأردن كدولة بنظام سياسي ومؤسسات أن تبقى صامدة في ظل محيط اقليمي يلتهب وموازين قوى عالمية تتغير؟ وبعيدا عن المشككين اولئك الذين لا يرون الأردن كما يستحق ويرونه فقط من خلال مشروعهم العابر للجغرافية والهوية الأردنية ، فإن الاجابة على هذه التساؤلات تبرز بوضوح في حنكة جلالة الملك الذي يمثل صوت المنطق والاتزان ورؤيته الشمولية للأحداث، ورصيده المستحق من الثقة التي يتمتع بها في المنطقة والعالم بصفته قائد كبير يعي مصالح وطنه وشعبه ويلتزم بمسوؤليته تجاه أشقائه، اضافة إلى الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي للأردن، وقدرته على التأثير في المحافل الدولية والاقليمية، والخبرة الكبيرة لمؤسسات الدولة جميعها التي تتسم بمستويات عالية من التوازن والهدوء.
منذ عام لم يكتف اليمين الاسرائيلي المتطرف من سياسات التطهير العرقي في حق الفلسطينيين وها هو ينتقل اليوم الى مرحلة أوسع في خطته تتمثل في تهجير فلسطينيي الضفة الغربية ونقلهم سياسيا إلى الأردن كمقدمة لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن وتحقيق ما يسمى الوطن البديل، واستطاع خلال المرحلة الأولى من الحرب في تصدير سردية استهدفت العالم الغربي أمريكا وأوروبا لكسب تعاطفهم وتأييدهم واضفاء شرعية عالمية على ما يقوم به من مجازر تطال المدنيين الأبرياء في غزة.
لكن هذه السردية وما نتج عنها من تأييد عالمي للحكومة الاسرائيلية، سرعان ما تبددت وتكسرت والفضل في ذلك يعود إلى جولات سياسية مؤثرة وفاعلة قادها جلالة الملك على مدار عام على مستوى المنطقة والعالم.
تحركات الملك وسردية خطابه السياسي المتوازن وعلاقاته المتينة التي نسجتها سياسته الحذقة مع دول العالم تسببت في إحداث تغير جذري ليس فقط في الرأي العام العالمي الذي انتقل من مؤيد لليمين الاسرائيلي إلى مناهض لسياساته الاستيطانية، بل أيضا تسببت في تغير جذري في مواقف الدول الرسمية والتأثير في مراكز صنع القرار في تلك الدول من خلال خطاب متماسك ومتين أجلى بها الحقائق وكشف واقع الحال، ونبّه من مغبات توسع دائرة العنف في المنطقة، ومعلنا بجرأة ثوابت الدولة الأردنية فيما يخص القضية الفلسطينية وموقف الأردن التاريخي منها.
من أمريكا إلى بريطانيا وفرنسا والمانيا وكندا وإيطاليا إلى دول عربية، حمل جلالة الملك ملف المنطقة تحت عنوان واضح "إنهاء الحرب على غزة" وحل عادل للقضية الفلسطينية يشمل قيام دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية على حدود الرابع من حزيران 67، وادخال المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية ووقف معاناة المدنيين من الأطفال والنساء في القطاع.ويسجل للأردن بقيادة الملك أنه أول دولة استطاعت كسر الحصار المفروض على القطاع وبناء جسر مساعدات جوي في شمال وجنوب القطاع.
يدرك جلالة الملك طبيعة الصراع في المنطقة، وللأردن حسابات ومعادلات سياسية يزنها بما يلبي مصالحه الوطنية العليا، ولن يكون الأردن جزء من مغامرة لمشاريع متناحرة في المنطقة، ولن يكون تحت الطلب يلبي املاءات اقليمية، ويعرف الأردن ومن خلفه مؤسسات الدولة جميعها كيف ومتى وبأي شكل يكون التحرك، والمعركة التي تخوضها الدبلوماسية الأردنية في المحافل الدولية صُمّمت لتحافظ على استقرار الأردن وعلى ضمان الحقوق الفلسطينية ضمن موازين قوى لا ينكرها إلّا جاهل أو عابث يريد للأردن أن يكون على قارعة الانتحار المجاني.
موقف الأردن واضح وراسخ،وسيناريوهات الأردن مطروحة على الطاولة وهناك ثوابت التعدي عليها يعد بمثابة إعلان حرب على الأردن وهذا ما أعلنه جلالة الملك صراحة، والمطلوب هو تفويت الفرصة على المغامرين بالأردن والذين يريدون أن يأخذوه إلى مصالحهم الضيقة ، والالتفاف الشعبي حول القيادة الأردنية وحول مؤسسات الدولة واحتضان الخطاب الأردني الرسمي والدفاع عنه لأن في ذلك دفاع عن الدولة الأردنية وشعبها وأيضا دفاع عن حقوق وصمود الأشقاء في فلسطين.