تظل القضية الفلسطينية في صميم السياسة الأردنية ووجدان الشعب الأردني، إذ ترتبط المملكة الأردنية الهاشمية بالقضية ارتباطاً تاريخياً وجغرافياً ودينياً يجعل موقفها متقدماً ومتفرداً مقارنة بالدول العربية الأخرى. القيادة الهاشمية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، جسّدت هذا الدور عبر سنوات من العمل الدؤوب في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، معززةً مساعيها بالدبلوماسية الفاعلة والإجراءات الواقعية التي تتجاوز الشعارات.
الوصاية الهاشمية: حماية القدس وتأكيد الهوية العربية
منذ عام 1924، تتولى الأسرة الهاشمية الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس. وقد أدت القيادة الهاشمية دوراً ريادياً في حماية الهوية التاريخية والدينية للمدينة، إذ جاهدت لمنع تهويد المسجد الأقصى والحفاظ على الطابع العربي الإسلامي للقدس الشرقية. الملك عبد الله الثاني لم يدخر جهداً في هذا السياق، حيث شدد مراراً على أن “القدس خط أحمر، ولا يمكن أن يكون هناك سلام في المنطقة من دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يكون أساسه إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية” .
هذا التصريح يُعبر عن الموقف الأردني الثابت الذي لم يتغير في كل الظروف، حتى عندما قامت بعض الدول بمحاولة تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون حل للقضية الفلسطينية، فقد تمسك الأردن بموقفه الذي ينادي بالعدالة والكرامة للفلسطينيين، مشدداً على أن السلام الدائم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال احترام الحقوق التاريخية والقانونية.
وجلالة الملك عبد الله الثاني كان من أكثر الزعماء العرب حضوراً في المحافل الدولية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين. في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019، قال الملك إن “القدس بالنسبة لي، ولبقية المسلمين والمسيحيين على وجه الأرض، ليست فقط مكاناً. إنها في قلب هويتنا وحاضرنا ومستقبلنا”. هذه الكلمات لاقت صدى واسعاً، وأثرت في الرأي العام العالمي، مؤكدة على الدور المحوري للأردن في الدفاع عن المقدسات والمساهمة الفعالة في السعي لتحقيق السلام.
كما شدد جلالته في أكثر من مناسبة على ضرورة مواصلة المجتمع الدولي دعمه للشعب الفلسطيني وتقديم المساعدات اللازمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، محذراً من أي محاولات تهدف إلى تقليص أو إنهاء دورها.
الملكة رانيا العبد الله تُعبر دائماً عن مشاعر العاطفة والدعم القوي تجاه الشعب الفلسطيني، مؤكدة أن العدالة للشعب الفلسطيني هي مفتاح الاستقرار والسلام في المنطقة. في تعليق لها على تصعيد الاحتلال الإسرائيلي في غزة ، واذكر ما قالته: “لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي عندما يُقتل الأطفال وتُدمّر المنازل على رؤوس أصحابها في غزة. العدالة للشعب الفلسطيني ليست اختياراً، بل هي ضرورة”. هذه الكلمات لاقت أصداء واسعة، حيث تعكس البعد الإنساني والتعاطف العميق للملكة تجاه المأساة الفلسطينية.
وزير الخارجية الدبلوماسي أيمن الصفدي كان له دور بارز في تعزيز المواقف الأردنية، وترك بصمة واضحة في العديد من المحافل الدولية من خلال تصريحاته المؤثرة. في إحدى المقابلات، قال الصفدي: “لا يمكن أن نتحدث عن السلام في الشرق الأوسط إذا كانت هناك دولة واحدة تحت الاحتلال… السلام لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان هناك سلام عادل وشامل يلبي حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”. هذه الكلمات عبرت عن ثبات الموقف الأردني وعدم الاستعداد لتقديم أي تنازل عن الحقوق الفلسطينية مقابل مكاسب سياسية ظرفية.
كما أكد الصفدي مراراً على أهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، مشيراً إلى أن “أي محاولة للمساس بالوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس هي انتهاك للقانون الدولي وتهديد مباشر للأمن والاستقرار”.
الدور الأردني تجاه القضية الفلسطينية ليس مجرد شعارات أو خطابات، بل هو التزام متجذر يشمل الدعم السياسي، الدبلوماسي، والإنساني. لقد قدم الأردن أكبر دعم ممكن للاجئين الفلسطينيين على أرضه، حيث يعيش على أراضيه الملايين من اللاجئين، ويحصلون على التعليم والخدمات الصحية كجزء من التزام الدولة بحقوقهم الإنسانية.
إضافة إلى ذلك، يشكل الأردن خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى أمام المحاولات الإسرائيلية لفرض السيطرة عليه، وقد قامت المملكة بترميم عدد من المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس على نفقتها الخاصة، مؤكدة على مسؤوليتها التاريخية والدينية.
يبقى الموقف الأردني تجاه القضية الفلسطينية نموذجاً في الثبات والمصداقية، متجسداً في حماية المقدسات والسعي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. إن ما قدمه الأردن بقيادة الهاشميين لا يشبه أي دولة عربية أخرى، إذ يجمع بين الدبلوماسية الفاعلة، والرعاية الإنسانية، والدور الحاسم في الحفاظ على الهوية التاريخية للقدس. هذا الالتزام العميق يعكس رؤية استراتيجية ترتكز على العدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ما يجعل من الأردن صوتاً عربياً مميزاً لا غنى عنه في مساعي تحقيق السلام العادل والشاملفيالمنطقة.