أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة تبليغات قضائية مقالات أسرار ومجالس مناسبات جاهات واعراس الموقف شكوى مستثمر شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

زيارة


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

زيارة

مدار الساعة (الرأي ) ـ
... من يزورني؟ في الصباح يأتيني الحارس.. يحمل فاتورة الكهرباء ويقول لي بلهجة غاضبة: (ايه ده يا معلم 200 دينار).. بعد ذلك يعود إما لفاتورة الغاز أو المياه..
وأحيانا يأتيني جاري على خجل ويقرع الباب ويقول لي: (انت صاف مكاني يا جار).. فأقول له: (مكاني فاضي) فيجيب بنعم.. فأخبره أن يقوم بركن سيارته مكاني..
وأحيانا تزورني الريح حين أمر من جانب الباب، أحس بها تتسرب من الأطراف.. ريح مؤنسة وديعة، تلفحني قليلا ثم تغادر.. وبعدها (تزورني الكحة).. وأحاول أن أغلق باب الغرفة لكن لابد من العائلة أن تتدخل والنصيحة واحدة: (خفف دخان).
لا أنسى أن (التسول) تطور مؤخرا، وهنالك متسولة يبدو أنها استدلت على الرقم السري للمدخل.. وفتحت باب العمارة وطرقته في لحظة غفوتي.. وحين فتحت باب منزلي داهمتني بجملة: (الله ايخفف عنك ويرزقك..) ثم أخرجت أوراقا متعلقة بمرض الكلى لوالدها، وشهادة وفاة لزوجها وشهادة عن طفل يعاني من إعاقة ولأني في لحظة الغفوة قرأت التقارير بدقة.. وقرأت اسم مريض الكلى، ثم طلبت منها هويتها كي أتأكد أنه والدها كما قالت، لكنها أخبرتني بأنها في المنزل..
المتسولون يكذبون دائما، المهم أعطيتها.. (ربطة خبز)، وحذاء خرج من الخدمة.. وأعطيتها أيضا علبة شوكولاته منتهية الصلاحية..
يزورني أيضا في الليل كابوس لا يفارقني أبدا كل أسبوع يداهمني، عن شخص يحمل (شبرية) ويترصد بي.. منذ سنوات والكابوس يلاحقني، ولكن الغريب أنه لم يسحب الشبرية بعد.. ولم يطاردني.. هو يتربص فقط مجرد تربص، في الكابوس القادم أخطط للطلب منه أن يسحبها (ونخلص).
أحيانا أسأل هل من الممكن أن تطرق بابي يوما نانسي عجرم وتقول لي: (جاي زورك يا عبود).. هل من الممكن أن تطرق بابي فيروز وتغني لي من على الباب: (أنا وشادي تربينا سوا)..أريد زيارة ليست مثل الزيارات المملة، منذ أعوام والباب يعاني من الملل.. حتى الأبواب ملت من زوارها..
كل ما اطمح إليه فيما تبقى من عمر، أن يطرق بابي شارع من غزة.. ليكن شارع (صلاح الدين) ويأخذني معه، إلى هناك إلى الدم الخضيب والشهداء والنخل.. ويحكي لي عن الذين عبروا منه.. وعن الذين استشهدوا فيه وعن الدبابات التي دمرت على أرصفته.. صدقوني أن ما يحدث سيجعل الشوارع تنطق في غزة، وأظنها ستنطق قريبا.
Abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة (الرأي ) ـ