لم يعد ممكناً تجاهل الواقع القاسي الذي يعيشه الجميع في هذه الأيام. كلما نظرنا حولنا وأينما نظرنا، نجد حياتنا صارت تشكل سلسلة متواصلة من الصعوبات التي لا تنتهي، تتشابك فيها المعاناة مع تحديات لا حصر لها.
بات الفقر والبؤس سمتين أساسيتين، حيث تعيش عشرات الآلاف من العائلات على أمل الخلاص منهما، ويزداد اليأس بين، ليس الشباب فقط، وإنما أفراد المجتمع كافة.
في ظل هذا الواقع، تتجسد أزمة الاقتصاد في كل تفاصيل حياتنا اليومية. يزداد ارتفاع الأسعار في الأسواق بلا توقف، من الغذاء إلى الوقود والكهرباء، في حين أن الرواتب بالكاد تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية.
الأسر تجد نفسها عاجزة عن تلبية احتياجاتها، والتقشف، الذي صار قاعدة مستدامة يعيشها الناس، بات لا يجدي نفعا.
الآباء والأمهات يشعرون بالثقل، وهم يكافحون لتوفير حياة كريمة لأطفالهم، في وقت أصبح التعليم الجيد والرعاية الصحية الجيدة رفاهية لا يستطيع الكثيرون تحمل أكلافها.
وبالموازاة، لا يخفى حجم المعاناة التي تسببها البطالة في صفوف الشباب، لتصبح هذه المعاناة متلازمة على مر السنوات.
وحتى، العمال في مختلف القطاعات، يواجهون ظروفاً صعبة، أكان من حيث الاستقرار الوظيفي أو الأجور المتدنية أو ظروف العمل اللائق.
القطاع التجاري يعاني من الركود الاقتصادي، والمزارعون تحت وطأة التغيرات المناخية التي تؤثر على المحاصيل وارتفاع تكاليف الإنتاج، والصناعيون يتكبدون خسائر نتيجة ارتفاع تكاليف المواد الخام والطاقة، في ظل سياسات اقتصادية قاصرة أثبتت فشلها على مر عقود.
ولا يمكننا تجاهل الأثر العميق الذي تتركه الصراعات الإقليمية والحروب من حولنا على حياتنا اليومية. مع تصاعد الأزمات في الدول المجاورة، ازداد الضغط، وتفاقمت التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
اللاجئون الذين فروا من مناطق الحرب وجدوا في وطننا ملاذا، ولكن في المقابل تضاعفت الضغوط على الموارد والمجتمع المحلي. وانعكست هذه التحديات على توفير فرص العمل، وزيادة الطلب على الخدمات العامة والبنى التحتية، ما جعل الفقراء يزدادون فقراً، والطبقة الوسطى تتلاشى تدريجياً، إن لم تكن قد تلاشت فعلا.
أمام هذا الواقع، يشعر الجميع بوطأة الحياة؛ فالفقر لم يعد يقصُر على الفئات الأقل حظاً فقط، بل امتدت آثاره لتشمل معظم طبقات المجتمع، من عائلات الطبقة المتوسطة التي تكافح من أجل الحفاظ على مستوى معيشي مقبول، إلى كبار السن الذين يجدون صعوبة في العيش نتيجة راتب تقاعد قليل على مصروف هذه الحياة، إلى أولئك الذين بجهدون لتأمين تكاليف دراسة أبنائهم وبناتهم الجامعية وهم يعلمون أن فرصهم في الحصول على وظائف صعبة للغاية.
ما الذي يمكن فعله للخروج من هذا المأزق؟
الحلول ليست بسيطة أو آنية، صحيح أن الحكومة تتحمل المسؤولية الأكبر، ويجب عليها ذلك، لكن مواجهة التحديات تبدأ بتكاتف الجميع: الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لإيجاد رؤية جديدة تتعامل مع المشكلات من جذورها.
ينبغي مراجعة السياسات الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات بشكل حقيقي مقنع وتوجيهها نحو دعم القطاعات الأكثر حاجة، وضمان الحق في حياة كريمة لكل مواطن دون استثناء.
تحتاج بلادنا نهضة حقيقية في القطاعات كافة، مع خطط تنموية واضحة تعيد الأمل للجميع، وليس فقط لفئة معينة.
نحن أمام تحديات مشتركة تؤثر على الجميع وتؤرقهم. لا يمكن لأي فئة أو شريحة أن تتحمل هذه التحديات وحدها. الحل يكمن في العمل الجماعي لتحقيق مستقبل أكثر إشراقاً وعدالة للجميع، حيث يمكننا تجاوز هذا الواقع المؤلم وبدء مرحلة جديدة يحدوهاالأملبالتقدم.