مدار الساعة - كتب: عمّار محمد الرجوب - في عمق الوجود الإنساني، يظهر الوطن كمعنى سامٍ لا يضاهيه شيء. هو ليس مجرد مساحة جغرافية تحدها حدود أو تضاريس ترتسم في خرائطنا، بل هو فكرة تنبض في داخلنا، تترك بصمتها على كل تفصيل من تفاصيل حياتنا. إنه الكنز الذي نبحث عنه دون أن نعلم أننا نحمله معنا أينما ذهبنا. الوطن هو الأرض التي تنبت فيها الجذور، وتتشابك الأغصان لترسم سماء من العز والمجد.
الوطن هو الأم التي تمدنا بالحياة، ليس فقط من خلال المأكل والملبس، بل بالقيم التي ننشأ عليها. في كل زقاق قديم، في كل حجر متروك على جانب الطريق، هناك قصة تُحكى عن أولئك الذين بنوا هذا الوطن بعرقهم وتضحياتهم. هم الذين جعلوا من الأرض موطناً للكرامة، لا يُقاس بما نملكه بل بما نقدمه له من حب وانتماء.
حين يتحدث الملك، يتحدث بصوت الوطن. هو ذلك الصوت الذي يحمل أمانة الأجيال، ويزرع في النفوس أملاً يتجدد. كلماته تتجاوز حدود الخطاب العادي، هي نبض يحرك أرواحنا، ويوقظ فينا شعوراً بالمسؤولية تجاه أرضنا. هو ليس فقط قائدًا، بل رمزاً للوحدة والتضامن، يجمع الشتات تحت راية واحدة، تُرفع عالياً على قمة المجد.
في لحظات السلم، يُغرس الانتماء في كل روح، أما في أوقات الحرب، فهو يتوهج كالنار التي لا تنطفئ. نرى الأجيال وهي تتكاتف، تُمسك بأيدي بعضها البعض وكأنها جزء من لوحة كبيرة، لوحة الوطن الذي لا يركع ولا ينحني. إن الوطن هو المرآة التي تعكس من نحن، هو التاريخ الذي نبنيه بأفعالنا كل يوم.
لكن الانتماء للوطن لا يعني فقط أن نحبه أو نغني له في المناسبات، بل أن نعيش قيمه في حياتنا اليومية. أن نكون أوفياء لترابه ولما يمثله من كرامة وشرف. علينا أن نحميه بالعلم كما نحميه بالسلاح، وأن نبنيه بالعقول كما نبنيه بالقلوب. الوطن بحاجة إلى أيدٍ تبني، وقلوب تُحب، وأرواح تُخلص له.
كما تعلمنا من أجدادنا، العز الحقيقي يكمن في التضحية. لا يرتفع الوطن إلا بالجهود المشتركة، ولا يُزهر إلا عندما نزرع فيه الإخلاص. علينا أن نتعلم أن العز لا يُمنح، بل يُكتسب، وأن المجد لا يأتي بسهولة، بل يحتاج إلى عمل دؤوب ومثابرة. في وطننا، نجد أرضًا خصبة للأحلام، لكن تلك الأحلام لا تتحقق إلا بالعمل والالتزام.
لنحافظ على قيمنا وتراثنا، ولنتذكر دائمًا أن الوطن ليس مكانًا نعيش فيه فقط، بل هو من نكون. هو الانتماء الذي لا ينتهي، والعز الذي يرفعنا فوق كل الصعاب. في نهاية المطاف، الوطن هو تلك الأرض التي تعطينا هويتنا، ونحن بدورنا نعطيها حبنا وولاءنا.
