التوجهات العالمية للحد من استخدام الوقود الأحفوري وتخفيف انبعاثات الكربون التي ملأت الدنيا قبل سنين قليلة، والتوجه نحو الطاقة الخضراء بأنواعها المختلفة، لم تعد رياحها كما كانت في السابق، فهناك انقلابات تدريجية على هذه المفاهيم خلال الفترة الماضية.
فالتطور المذهل في إنتاج السيارات الكهربائية في أوروبا وأميركا لم يعد كما كان سابقًا، وبدأت الكثير من الدول بإعادة النظر في مخصصات الدعم التي كانت تُمنح للشركات المنتجة للسيارات الكهربائية، بل ألغتها بالكامل، وأصبح القطاع ككل يواجه صعوبات وتحديات في استمراريته، حتى مبرراته في التوفير لم تعد مجدية كما كانت تسوق سابقًا.
إنجلترا، التي كانت من الدول الرئيسة في إطلاق وثيقة الحد من الكربون، سمحت مؤخرًا بإعادة التنقيب عن النفط في بحر الشمال، مبررةً ذلك على لسان رئيس وزرائها بأن واجبه توفير طاقة رخيصة لمواطنيه بأقل الأثمان، ولعل هذا يرتبط بشكل كبير بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي كشفت مدى اعتماد القارة العجوز على الغاز الروسي، والأمر ذاته ينطبق على نيوزيلندا، التي سمحت هي الأخرى بالتنقيب عن النفط في بحارها وأراضيها تحت نفس المبرر.
حتى الدول التي التزمت ووقعت على اتفاقية باريس للمناخ للحد من الانبعاثات الكربونية، لم يعد التزامها وحماسها كما كان سابقًا، والدليل أن مؤشرات الانبعاثات اليوم باتت أكثر مما كانت عليه في السابق، فالصين والهند من أوائل الدول التي تجاوزت معايير اتفاقية المناخ وتعهداتها.
شركة فورد الأميركية أعلنت مؤخرًا أنها ستوقف كل مشاريعها الخاصة بإنتاج السيارات الكهربائية والعودة لإنتاج السيارات الهجينة والتقليدية.
حتى موضوع استخدام الطاقة المتولدة من الهيدروجين الأخضر لم تثبت بعد فعاليتها، نظرًا لتكاليفها الباهظة، في مقابل استمرار الاعتماد المتزايد على الوقود الأحفوري من مختلف دول العالم.
إذا كان هذا التوجه عالميًا، فما هو الحال بالنسبة لنا في المملكة؟
الأردن يبذل جهودًا مضنية في عمليات الاستكشاف عن النفط في أراضيه، وقد بدأت عمليات الحفر في عدد من المناطق الإستراتيجية، وقد أظهرت بعض الدلائل الأولية أن هناك مؤشرات في بعض الآبار التي يجري الحفر فيها على أعماق كبيرة، ناهيك عن أن المملكة تحصل على نفط عراقي بأسعار تفضيلية (10 ملايين برميل سنويًا).
المؤشرات السابقة تعطي أهمية لوجود مصفاة بترول قادرة على التعاطي مع أي تطورات إنتاجية في المستقبل.
فاستخراج النفط يتطلب وجود مصفاة بترول لتكريره، وإلا سيكون بلا فائدة اقتصادية، وهذا يعني أن مشروع مصفاة البترول وتوسعاتها وتطويرها أمر إستراتيجي يجب أن يكون على رأس أولويات الأمن الاقتصادي للمملكة في المرحلة المقبلة.
المصفاة هي المصدر الأساسي لتكرير النفط في الأردن، حيث تضمن إمدادات مستقرة من المشتقات النفطية، وتساهم في تحقيق إيرادات كبيرة للدولة، سواء من خلال الضرائب أو الرسوم على المنتجات النفطية المكررة.
كما تساهم المصفاة في بناء وتطوير بنية تحتية طاقية متقدمة، مثل شبكات التوزيع ومستودعات التخزين.
بناءً على هذه العوامل، تعتبر المصفاة عنصرًا حيويًا في تحقيق الاستقرار الطاقي والاقتصادي في الأردن.