أتم الدكتور جعفر حسان أمس شهره الأول رئيسا للوزراء، ومن اللافت للعيان التزامه بالعمل الميداني متنوع المسارات، سواء استهدف عقد جلسات لمجلس الوزراء في المحافظات أو زيارات لمؤسسات خدمية أو تفقد لمشاريع إنتاجية أو لوقائع معيشية أو القيام بمتابعات مجتمعية أو غير ذلك، لكنها تتقاطع جميعا في هدف واحد، وهو تجسيد التواصل الميداني الحكومي حقيقة وواقعا في حياة الناس.
حسان، المدجج بالعلم والخبرة في العمل العام، يقدم بنفسه النموذج، قبل أن يطالب فريقه الوزاري وكوادر الحكومة بذات النهج ذو الأهمية الكبرى لأثره المؤسسي والمجتمعي والنفسي الإيجابي لدى الناس.
المميز في جولاته حزمه في وضع آلية للمتابعة، وقد يفاجئ المسؤولين قريبا بقرارات تصحيحية جريئة إن تيقن بوجود تقصير هنا أو هناك.
العزم الذي يبديه رئيس الوزراء في مختلف نشاطاته ظهر جليا منذ الأيام الأولى لدخوله الدوار الرابع، وقد تجسد في حديثه خلال أول لقاء جمعه مع فريقه الوزاري حول مفاهيم الإرادة والإدارة والتنفيذ باعتبارها أساسيات تقدم الدولة.
سيسعى حسان إلى إحداث الفارق الإيجابي، تنفيذا للتوجيهات الملكية، والتي سيحرص على أن تكون بوصلة الأداء له ولحكومته، وصولا، وهذا المؤمل، إلى بث التفاؤل وتحفيز الأمل في عقول وقلوب الناس عبر العمل الحكومي الممنهج والملموس، وفق إستراتيجيات وخطط زمنية محددة وأدوات قابلة للقياس والتقييم والتطوير، وبما ينعكس إيجابا على مستوى معيشة المجتمع والخدمات المقدمة له.
وذلك أحد أهم المعايير لنجاح الحكومة، وهو ما سيكسبها المصداقية والقبول الشعبي وثقة الشارع، ما يمهد لتعزيز بيئة من الشراكة الحقيقية من قبل الجميع، مسؤولا كان أم مواطنا.
لن يقبل حسان التردد، ولن يرضى من فريقه إلا مضاعفة الجهود رغم تعاظم التحديات، ليكون كتاب التكليف، خصوصا ما يتصل بمواصلة برامج التحديث الوطنية بمساراتها الثلاثة السياسية والاقتصادية والإدارية، محرك التنفيذ والأهم المتابعة وفوق كل ذلك المحاسبة.
نحن أمام رئيس وزراء تلعب عوامل التخطيط والسرعة في التنفيذ والتقييم جزء من فكره الإداري، وعلى فريقه استيعاب هذا الأمر جيدا للنجاح معه.
كلنا أمل أن يتمكن صاحب كتاب "الاقتصاد السياسي الأردني: بناء في رحم الأزمات" من صنع الفارق في مرحلة يواجه فيها الوطن تحديات جسام، اقتصادية ومالية على وجه التحديد، وما يتعلق بجذب الاستثمارات الكبرى وتوليد الآلاف من فرص العمل، وكل ذلك في ظل إقليم مضطرب مع مجهول يلوح في الأفق بين الفعل ورده.
وما يعزز التفاؤل والثقة بالحكومة، الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية مؤخرا، والذي يفيد، بين أرقام أخرى، "أن 50 % من العينة الوطنية يثقون بالحكومة ومتفائلون في تشكيلة الفريق الوزاري"، ما سيدفعه، بطبيعة الحال، للبناء على هذا الأمر عملا ومثابرة وإنجازا.
وفي الحديث عن التواصل الميداني للحكومة وكوادرها، فأهميته تكمن في أنه يحمل في طياته تواضع المسؤول أمام المجتمع، وتخليه عن التموضع في مكتبه وبين كوادره، ذلك أن ترك الناس وهمومها في واد والمسؤول وانشغاله بمقتضيات منصبه في واد آخر هو ما يزعزع الثقة لدى الجمهور.
لا نريد حكومات يعتريها، مع مرور الأيام، الفتور في العزيمة، والتردد في الحركة، والدخول في دائرة الحد الأدنى وسياسة التسكين، وما يجره كل ذلك من تعطيل وضرر على البلاد والعباد.
وفي النهاية، فنجاح الحكومة في مهامها يعني ببساطة نجاحنا جميعا في حصد النتائج التي نستحق، وكل ذلك عبر ترسيخ صورة المسؤول الذي يدرك عظيم مسؤولياته أمام الله والقيادة والشعب، ويأخذ العمل العام تكليف لا تشريف. "وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".