ما لبثت الأخبار أن تصل في اليوم الماضي بأن مواطنين أردنيين قد تسللا عبر البحر الميت نحو الحدود الغربية وبأنهما ارتقيا فور وصولهما من قبل القوات الإسرائيلية حتى تعالت الأصوات لهما بالرحمة والمغفرة.
كانت هذه ردة الفعل الأولوية من قبل الشارع الأردني الذي استطاع فهم الحدث على أنه ثورة دم مبررة من قبل شباب مندفع ساءه ما يحدث من انتهاكات فاقت حدود العقل في غزه لمدة تزيد عن سنه والان نراها تتحرك شمالاً نحو الجنوب اللبناني.
وما لبث الخبر ان انتشر حتى أصدر حزب جبهة العمل الإسلامي بياناً يبارك فيه ما اسماه "عملية البحر الميت" موضحاً أن الشابين المذكورين هما من شباب الحركة الإسلامية، وأضاف البيان:
"ان حزب جبهة العمل الإسلامي إذ يعبر عن فخره واعتزازه بهذه العملية البطولية التي سطر فيها اثنان من الشباب الأردني بدمائهم الزكية لوحات البطولة والفداء، والثأر للدماء الطاهرة التي تراق على أرض فلسطين ولبنان، فإنه يطالب الحكومة بإعادة النظر بكافة الاتفاقيات الموقعة مع العدو الصهيوني ووقف الممر البري إلى الكيان الصـ.ـهـ.ـيونـ.ـي، مع العمل على إعداد التجهيزات اللازمة لمواجهة التهديدات الصـهيونيـة، بما في ذلك تمتين الجبهة الداخلية وإعادة العمل بالجيش الشعبي لإعداد الشباب الأردني ليكون سنداً لنشامى الجيش الأردني في وجهه تهديدات العدو الصهيوني التي باتت تتصاعد ضد الأردن وسيادته وأمنه الوطني."
ردود الأفعال على البيان الذي أصدره الحزب قد أتت متفاوته حيث عبر العديد من المواطنين عن استيائهم من دفع الحزب لبعض الشباب باتجاه هكذا أفعال من شأنها أن تجر الأردن باتجاه مسار لا يحمد عقباه اذا ما وقفت جهة منظمة خلفة كحزب جبهة العمل، وذلك أن العمل الفردي المنطلق من الدوافع الشخصية عمل يبرر بخلاف العمل المنظم الذي تقف وراءه جهات وأحزاب منظمة وفاعلة.
ردود الأفعال المناوئة لبيان الحزب أجبر اخوان الأردن على الانسحاب حيث أنهم نسخوا البيان الأول ببيان صحفي لاحق يقول بأن عملية البحر الميت "فردية" وأن الحزب يقف في خندق الوطن.
وما بين الاندفاع مع عملية البحر الميت والعقلانية التي تعارضها، يجب علينا كأردنيين النظر باتجاه بوصلة واحدة وهي مصلحة الأردن الذي لا يمكن لنا خدمة أي وطن شقيق اذا ما حققنا مصلحته أولاً.
وأما فيما يخص التحرك باتجاه نصرة الأشقاء في غزه، فلابد من الإشارة الى أن الأردن كان من أول وأكثر الفاعلين الدبلوماسيين الذين يعملون على انهاء الانتهاكات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن. فالرسمي الأردني لم يتوانى عن المطالبة وعبر كافة السبل المتاحة لانهاء الوضع الكائن، بدءاً من جهود جلالة الملك ووزير خارجيته وانتهاءاً بأي مسؤول أردني من موقعه.
وأما تاريخياً، فيجب علينا جميعنا أن نعي الدور الأردني الفريد الداعم للقضية الفلسطينية والمحاولات الدائمة التي تسير في مصلحة الأشقاء الفلسطينيين والقضية الفلسطينية وذلك ضمن الأدوات المتاحة وبأخذ موازين القوى العالمية بعين الاعتبار.
ومن هنا أقول أنه يجب علينا كأردنيين في هذه المرحلة أن نتبنى الخطاب العقلاني وأن نحيد العاطفة الهوجاء التي من شأنها أن تحملنا ما لا طاقة لنا به، وعلينا أن نلتف حول الدولة الأردنية بكافة قراراتها مدركين بأن الرسمي الأردني هو فقط الجهة المسؤولة التي من شأنها اتخاذ الخطوات والقرارات الفاعلة التي تصب في مصلحة الأشقاء دون المساس بمصلحتنا العليا، وعلينا جميعنا أن ندرك بأن الأردن أولاً هو مبدأ لا نحيد عنه لأن لا مصلحة لأي طرف داخل الوطن أو خارجه يمكن تحقيقها على حساب الوطن، ومن هنا أقول بأن الأردن أولاً، والأردن أولوية.