في ظل الظروف السياسية المتأزمة في المنطقة، لا سيما الحرب الغاشمة على غزة ولبنان، يواجه الأردن تحديات معقدة تتمثل في التوازن بين التعاطف الشعبي تجاه القضايا الإنسانية الإقليمية، والحفاظ على الولاء الوطني واستقلالية القرار السياسي. فالتعاطف مع الشعوب المظلومة جزء لا يتجزأ من القيم الإنسانية والأردنية على حد سواء، لكن التحدي يكمن في عدم تجاوز هذا التعاطف إلى الولاء لجهات خارجية قد تهدد الأمن والاستقرار الداخلي.
التعاطف في جوهره هو استجابة طبيعية للأحداث التي تشهدها المنطقة، وهو تعبير عن مشاعر الشعب الأردني الذي طالما كان داعماً للقضايا العربية والإسلامية. سواء كان ذلك في مساعدة الفلسطينيين في غزة أو الوقوف إلى جانب اللبنانيين أو غيرهم في أزماتهم، فإن هذا التعاطف هو جزء من الضمير الجمعي الأردني الذي يرفض الظلم ويشعر بمسؤولية أخلاقية تجاه معاناة الآخرين.
ولكن يجب أن يظل التعاطف في إطاره الإنساني والمبدئي، دون أن يتحول إلى ولاء عابر للدول أو تدخل في السياسة الخارجية أو توجهات الدولة السيادية. فأحداث المنطقة معقدة ومتداخلة، وأي انحياز أو تأييد مطلق لجهة معينة قد يحمل في طياته آثاراً سلبية على المصالح الأردنية.
الحذر من الفخ الخارجي
إن الولاء لجهات خارجية يشكل خطراً حقيقياً على استقرار الأردن الذي يمتلك تاريخاً طويلاً من العلاقات المعقدة مع جيرانه. فهذا الولاء، إذا تطور خارج إطار القانون والمصالح الوطنية، قد يؤدي إلى زعزعة الأمن الداخلي وإثارة الانقسامات. فالانحياز الكامل إلى طرف أو تيار خارجي، بغض النظر عن نبل القضية، يمكن أن يستغل كأداة لخلق توترات داخلية، أو محاولة التأثير على القرار السياسي الأردني بما يخدم أجندات دول أو حركات بعينها.
وهنا يجب الانتباه إلى الشعرة الرفيعة التي تفصل ما بين حرية التعبير وخطاب الكراهية، وبين الوقوف مع القضايا الإنسانية ودخول الأزمات بشكل غير مدروس.
فالاندفاع والرغبة غير المنطقية في خوض الأزمات لبعض الأفراد على الفضاء الإلكتروني، يعكس فجوة واضحة بين الشارع وصانع القرار، إذ يفتقر البعض إلى فهم الأبعاد السياسية الدقيقة التي تحكم قرارات الدولة.
ولو وضع الشارع نفسه في مكان صاحب القرار وتحمّل المسؤوليات الوطنية، لأدرك حكمة السياسة الأردنية المتوازنة التي تجنبت الصراعات والدمار في خضّم أزمات المنطقة. وأدرك خطورة تحويل التعاطف إلى ولاء خارجي يضع الدولة في موقف حرج ويهدد هذا التوازن الذي يعتبر من أهم ركائز الأمن الوطني.
ختاما، ينبغي على الأردنيين الحفاظ على توازن بين التعاطف مع الآخرين والولاء للوطن، وأن يكون هذا التعاطف في إطار ينظم الجهود الحكومية والشعبية، وموجّهٌ نحو تخفيف المعاناة بشكل حقيقي ويدعم الأردن في الوقت نفسه "مع مراعاة مصالح الوطن".
أما ما يجري الآن من مشاعر مندفعه غير محسوبة، وجلد للذات وتحميل الوطن ما لا ناقة به ولا جمل، ومبايعات خارجية ورفع شعارات مستفزة يرافقها توجيه اتهامات تقوّض الوحدة الوطنية، فليس له تأثير إيجابي على معاناة الأهل في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان، وليس له قيمة "في موازين الدعم" على أرض الواقع.