يظهر للقاصي والداني موقف الأردن شعبياً ورسمياً من الأحداث والمجريات التي تعصف بالمنطقة سواءً من معارك على الأشقاء في غزة، أو محاولة تفجير الأوضاع في الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان والعمل على التهجير، بالإضافة إلى الانتهاكات المستمرة للمقدسات المسيحية والإسلامية في القدس من قبل الاحتلال، إلى جانبن ما يدور في الإقليم من انتهاكات لسيادة الدول وعمليات عسكرية واغتيالات سواءً في لبنان أو سوريا والعراق واليمن.
شعبياً، يُعدّ الأردنيون نبض العروبة، ومصدرها ورئة الأشقاء العرب في كل المحن التي تعصف بهم، فالشارع الاردني منذ الساعات الأولى للمعارك على غزة بدأ وعلى الفور بالتعبير عن غضبه بالخروج بمسيرات ووقفات احتجاجية وتضامنية في مختلف مدن المملكة وبكثافة عالية وباستمرارية خاصة في عمان وإربد ومعان، حتى المناطق الحيوية في العاصمة عمان كانت تغلق أبوابها في بعض الأوقات من أجل منح المتظاهرين المساحة لوقفاتهم ومسيراتهم التي تعبر عن غضبهم لما يحدث في غزة، إلى جانب قيام الشعب الأردني من خلال النقابات والجمعيات والأفراد بجمع التبرعات والمساعدات الإنسانية الغذائية والدوائية وغيرها لتقديم الدعم ومن كافة النواحي للأشقاء في فلسطين ولبنان أيضاً في هذه المرحلة.
أما رسمياً، فموقف الدولة واضح ومعلن للعالم أجمع دون مزايدات ولا إعلانات تضامن، وما يدور في الغرف المغلقة هو الموقف المعلن عنه، حيث تعمل الدبلوماسية الأردنية من أجل الضغط الدولي لغاية إقامة دولة فلسطينية وفق حدود الرابع من حزيران وأن تكون القدس الشرقية عاصمتها ، وداعم للمبادرة العزبية للسلام ، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف الاستيطان والجلوس على طاولة المفاوضات، وهذا ما يتعلق بالحرب على لبنان وضرورة وقف العدوان عليه أيضاً، وقد هددت كل من يحاول العبث أو يعمل على زعزعة الأمن القومي الأردني بأنها سوف تقف له بالمرصاد ولو بالحرب، خاصة ما يحاول الاحتلال تنفيذه من خلال الضغط لعملية تهجير للضفة الغربية، أو من يحاول استغلال أجوائه لعمليات دعائية أياً كان طرفها.
ومنذ اللحظات الأولى للمعارك على غزة بدأ الملك بالحراك الدبلوماسي الأردني من خلال التواصل مع الدول ذات الثقل السياسي على مستوى العالم وذلك بالاتصال واللقاءات مع ملوك ورؤساء تلك الدول، لتبيان خطورة استمرار الوضع الراهن الذي سيفجر المنطقة، بالإضافة للضغط لمحاولة إيقاف الحرب وإيجاد حل للقضية الفلسطينية ووقف التهجير والتجويع الذي يتعرض له أهلها، ولا ننسى كيف جابهت الدبلوماسية الأردنية بكافة الطرق تعنّت الاحتلال وعدم احترامه للشرعية الدولية القضائية والسياسية والإنسانية، وهو يضرب بعرض الحائط الالتزام بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فقد قدم الأردن مرافعة سلطت الضوء فيها على الوضع التاريخي والسياسي والقانوني للاحتلال في فلسطين أمام محكمة العدل الدولية بخصوص الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من المحكمة بموجب القرار رقم 77/247 الصادر بتاريخ 30/12/2022 بشأن "الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، إضافة لدعمه في الدعوى المرفوعة من قبل دولة جنوب إفريقيا لمنع الإبادة الجماعية، وبالشق الإنساني لم ينسَ الأردن الرسمي ضرورة إيصال المساعدات الشعبية والرسمية، فكان أول من يكسر الحصار على قطاع غزة، فعمل على إرسال المساعدات الغذائية والدوائية سواءً بالبر أو بالإنزالات الجوية، أو بتقديم المستشفيات الميدانية في الضفة وغزة، وهذا ما يقوم به اليوم من إرسال المساعدات للأشقاء في لبنان منذ بدء الحرب عليها، فنحن من كُتب علينا وعلى جغرافيتنا التواجد في منطقة مشتعلة، ولكن يجب أن نكون يقظين بأن قادم الأيام لن تكون سهلة، ويجب علينا تحصين جبهتنا الداخلية، خاصة في ظل ما تشهده حدودنا الشمالية والشرقية من محاولات خرق وحدودنا الغربية من أحداث، وما يدور في الإقليم المجنون.