مدار الساعة - مجد السباح - تطلع الشمس مع صبيحة كل يوم، إلا أنها تزاور عنَا بريقها، لنبقى في غروب مستمر، إن لم يكن تغريب!
أضحى كل شيء يدعو للخوف والتوتر والقلق، نطالع يومياً حدثاً هنا وهناك، تتفاوت في غلظتها على النفس، والنتيجة قهرٌ مستمر.
نبحث عما يدعو للأمل، ونعزي أنفسنا بأن بصيصه آتٍ لا محالة، لكن هي نفس سريعة النسيان ويأخذ بنا الألم أشواطاً لا متناهية.
مشاهد الدمار والقتل والتجويع والطرد والخذلان، تصنع فينا خذلاناً آخر قائمُ بجله على العجز، بسؤالك المستمر ماذا أنا صانع؟
منذ السابع من أكتوبر في العام الماضي وحتى يومنا هذا، لم يعد الحال كما قبله، فالناس على دراية تامة ومشاهدة مستمرة لكل ما يجري حولها، فبدءً من قطاع غزة الى لبنان وسوريا واليمن والعراق، والمجريات تمشي إلى لا مستقر.
عيونُ شاخصة يومياً أمام شاشات التلفاز، ساعاتٍ من الحياة تذهب بها، وعلى مدار عام مضى إلى اليوم وأنت حبيس خبرٍ يعيد الأمل قد لا يأتي، وإن كان فله ما بعده من خيبة.
ولا ينتهي المطاف عند هذا، فرواح النفس تظنه بالابتعاد عن الشاشات، لتصطدم بمواقع التواصل الاجتماعي المليئة جداً باللغط، وكثرة الهرج والمرج، بداعٍ أو بدون، إلا تتنزع منك ما تبقى من أمل، ثم تسول لك نفسك بالخروج مع الأصدقاء، لترى نفس الحديث ونفس الكلام وخيبتك تكون في قلة ما لديك من معلومات عن حدثٍ ما.
تتلاعب بنا الأخبار وتحدث صدعاً في العقل، وتضعف التركيز، وتزيد الهم هما، وتسرق الانتباه، وتسرق حياتك، وتبقيك في تحفزٍ مستمر، وتدعوك إلى الاضطراب والانفعال، وتضيف الى حياتك تصرفات كانت غير موجودة، وقد لا تكتفي بقراءة ومشاهدة العناوين لنغوص في التفاصيل ويزداد معها كل ما ذكر!
إذاً لماذا نتابع الأخبار؟
نعيش في حالة من الغليان منذ الصباح وحتى ساعات النوم المتأخرة؛ لشعورنا بالخطر لأمرٍ ما، واندفاعنا لنطالع كل المعلومات المتوفرة لمحاولة فهم الخطر المحدق بنا، أو لهمٍ مشترك مع من يتعرضون لكل أنواع الخذلان، أو لأنه المفر الوحيد لإبعاد التقصير في نصرة المظلوم، فكأنك تقول "لا يفل الحديد إلّا الحديد" ولا ينزع الألم إلا الألم.
علماء النفس يقولون "طريقة تقديم الأخبار وطريقة الوصول إليها في العقدين الأخيرين؛ إذ أصبحت الأخبار تحاصرنا في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الروابط التي يشاركها الأصدقاء والبودكاست وخدمات البث والراديو إلى جانب ما ترسله إلينا المواقع الإلكترونية من إشعارات على مدار اليوم، تشعرنا بأن المستقبل مخيف".
لكن الحديث اليوم مختلف، أو السؤال لا يكون لماذا نتابع الأخبار، إذ ان شعورُ يداهمنا يقول في النفس من المحتمل أن تكون جزءً من خبرٍ في يومٍ من الأيام، أو تكون أنت مخبرًُ لشيء قد يحدث، فمتابعة الناس اليوم للشاشات أصبحت ليس لمعرفة ما هو المسر وراء كل ما يحدث، وإنما كشف الستار، فماذا بعد ذلك؟
حتى وإن كانت نفوسنا هي ضحية المشاهدة، المهم أن لا نخذلهم، كنوعٍ من السند!