خبراء السياسة والعسكرية لطالما اتفقوا أن لأي عملية عسكرية اهداف سياسية توضع لغايات تحقيقها ضمن ما يسمى بالاهداف الرئيسية أو الاستراتيجية التي على ضوئها يتم تقيم مدى نجاح هذه العملية وفعالية تطبيق خططها و سير الاستعدادات و الاعدادات و التجهيزات الكافية الكفيلة بإنجاز المهمة على أكمل وجه ، و بالاشارة إلى الحالتين في حرب ٦ اكتوبر ٧٣ و ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ سنجد أن الأطراف العربية قد استعدت جيدا ضمن الإمكانيات المتاحة لكن وجب التنويه النقاط التالية:
١. حرب ٦ اكتوبر المجيدة ٧٣ تم الاعتماد على احدث ما توصلت له الترسانة العسكرية من الحلفاء لمواجهة التفوق الإسرائيلي العسكري ، واستطاعت القوات العربية اختراق حاجز برلييف المنيع و اجتياح هضبة الجولان ، إلا أن حسابات المعركة ولأعتبارات الدعم اللوجيستي للعدو من حليفه الأمريكي اللامحدود ، جعلت مدة الحرب محدودة من حيث الفعالية العسكرية والذهاب إلى التركيز على المفاوضات السياسية في أكمال الأهداف السياسية التي لأجلها أعلنت الحرب على الكيان ، الأمر الذي اوجد خللا في موازين وحدة الساحات و زيادة الضغط على الجبهة السورية واستعادة المبادرة لقوات العدو الإسرائيلي في الهجوم ، وهو ما مهد لإعلان وقف الحرب ولاحقا الاتفاق على محادثات السلام و توقيعها من جانب واحد .
٢.على صعيد الحرب في ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ تم الاستعداد و الاعتماد على التدريب و التصنيع المحلي وإعادة تطوير النسخة الأولية للطراز الأولي لمنظومة الأسلحة الإيرانية حليف محور المقاومة دون ضمان التفوق العسكري ضد الكيان الصهيوني ولكن تشكيل حالة اقرب ماتكون من حالة الردع ، واستطاع الطرف العربي من تحقيق اعجاز عسكري بالمقاييس العسكرية ، استنادا لبدائية التجهيزات مقارنة مع تطور و حداثة ما يملكه العدو الذي أثار إعجاب و دهشة جميع الخبراء و العالم دون استثناء بشجاعة المقاتل الفلسطيني في أقدامه و اقتحامه حواجز هي الأكثر حراسة و مناعة و مقاومة للاختراق , الأمر الذي سجل انجازا مبدئيا للمقاومة في أولى ايام المعركة ، والاشتباك بكل ما تملك مع العدو الصهيوني الذي أظهر ردة فعل عنيفة و أعمل آلته العسكرية الوحشية و قصف الاطفال والنساء والمدنيين النازحين دون تميز ، و تخليف أكثر من ١٢٥ الف بين شهيد و فقيد و جريح و تدمير أكثر من ثلثي قطاع غزة ، دون الإذعان لمطالبات و دعوات وقف إطلاق النار
٣. وحدة الساحات هي سمة أساسية في حالتي الحرب ولكن مع اختلاف و زخم المشاركة ، ففي اكتوبر ٧٣ بدأ الطرف العربي المصري و السوري المعركة موحدا معلنا وحدة الساحة والقرار العسكري ، لاحقا في نهاية الحرب جمد أحدهما فعاليته العسكرية تاركا الآخر يواجه ثقل العدو لوحده لولا التدخل العربي الاردني و العراقي بالرغم من ذلك حدث الخلل والاختلال لصالح الاحتلال في موازين القوى.
٤.حالة ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ دخل الطرف العربي الفلسطيني المعركة وحيدا وظهر اعلان حزب الله و حلفاؤه أنه قرارا منفردا لكنه دخل المعركة مناورا مساندا ضمن الحد الأدنى ، لاحقا بعد إرهاق الجبهة الفلسطينية دخل حزب الله المعركة نتاج اختراق أمني خطير لمنظومته و انهيار صفوف قيادته الاولى و اعلان العدو الهجوم على لبنان دون وجود فعاليات مؤثرة على جبهات العدو أو فرض تعديل موازين قوى لصالح المقاومة .
٥. لم تستطع أطراف المقاومة من فرض توقيت لوقف إطلاق النار كما حدث في حرب ٧٣ .
بناءا على ما تقدم و إكمالا لتقييم الحدثين فلقد كان هناك نتاىج لكل منهما تتلخص :
١.نتائج حرب أكتوبر٧٣
استرداد جميع الأراضي المحتلة في شبه جزيرة سيناء. تحطم أسطورة أن الجيش الإسرائيلي لا يُقهر حيث ظهر خطأ هذه المقولة في مدة زمنية بسيطة تبلغ ست ساعات فقط، وهي المدة التي استغرقها الجيش المصري في عبور قناة السويس وهدم خط بارليف. من نتائج حرب أكتوبر عودة الملاحة إلى شكلها الطبيعي في يونيو 1975.
٢. النتائج الأولية لحرب اكتوبر ٢٠٢٣ هو التأكيد على انهيار أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، لكن دون استعادة أو تحرير اي أرض محتلة ، بل قيام العدو الإسرائيلي بالتوغل وإعادة احتلال شمال قطاع غزة و محاولة ذلك في الجنوب اللبناني .
٣. في حرب اكتوبر ٧٣ استطاع الطرف العربي فرض شروط وقف إطلاق النار و التوصل إلى صيغة تسوية ضمنت استعادة حقوقه المشروعة و رد اعتبار كرامته جراء الهزائم الماضية .
٤. في أكتوبر ٢٠٢٣ يرفض العدو الصهيوني الامتثال لاي دعوة لوقف إطلاق النار دون تحقيق أهدافه وخاصة في ظل تفوقه العسكري و بدعم تحت غطاء غربي تتجلى فيها حالة ازدواجية المعايير و مخالفة القوانين والتشريعات الدولية .
٥. حرب اكتوبر ٧٣ جرى تبادل الأسرى في حين حرب اكتوبر ٢٠٢٣ جرى على نطاق ضيق والمؤشرات تقول أن العدو الإسرائيلي غير مكترث بالبقية ليجعلهم ذريعة لإبقاء حالة الحرب و القتل والدمار واستمرار حكومته المتطرفة وإطالة عمرها و نهجها الهمجي الاستيطاني التوسعي .
٦. كلا الحالتين أبرزت القضية الفلسطينية كقضية عربية مركزية حققت مكاسب سياسية لها وشعبها أكثر من كونها مكاسب واقعية جغرافية أو ديمغرافية كإستعادة الأراضي المحتلة أو عودة اللاجئين أو تعويضهم ، مع أفضلية للنتائج التي حققتها اكتوبر ٧٣ في ظل عدم معرفة ما سينتج عن حرب اكتوبر٢٠٢٣ الحالية ، و في وصف أدق للحالة العسكرية هو ما ذكره الكاتب والمحلل السياسي حمادة فراعنة بأن العدو لم ينهزم وان المقاومة لم تنتصر ، لكن صمودها هو مصدر قوتها و قدرتها على التفاوض للدفاع عن حقوق شعبها الفلسطيني.
٧. بما يخص الموقف العربي ، فأنه شكل و رسم حالة تضامنية شبه موحدة في حرب اكتوبر ٧٣ بمساهمة أغلبية الدول العربية سواء بالمجهود العسكرية والمشاركة المباشرة والامثلة عليه المشاركة العراقية والأردنية ( اللواء أربعين ) و مغربية و جزائرية و قوى التحرر الفلسطينية, و دعم لوجيستي سعودي ليبي بالوقود و المال وكان للقرار السعودي بقطع امدادات النفط عن الغرب أثره الكبير و أطلق عليه سلاح النفط .
٠٨ في أكتوبر ٢٠٢٣ برز الدور الاردني السياسي الداعم للقضية الفلسطينية والمدافع عن مقاومتها و شرعيتها على أنه اقوى المواقف العربية وأكثرها تقدمية و بسالة و شجاعة وخاصة ما عكسته الخطابات الملكية للملك عبدالله الثاني بن الحسين و الملكة رانيا العبدالله للعالم الغربي و مبادرة إرادة كسر الحصار عن القطاع عن طريق انزالات المساعدات الإنسانية والمستشفيات الميدانية ، مقارنة مع الموقف العربي الصامت العاكس لحالة الضعف والتشظي و عدم القدرة على وقف العدوان أو تقديم الدعم اللازم بما تقتضيه الحالة .
قد يكون الهدف من أحداث هذه المقارنة هو ليس لترسيخ قناعة ما حول أفضلية النتائج أو الأداء لأحد الحالتين في أكتوبر المجيد عن الأخرى ، لكن هي الواقعية المنشودة التي نريدها وتمكننا من استخلاص العبر و الاستفادة في اختيار القرار السياسي العقلاني السليم الذي يجنبنا أطماع هذا العدو الذي عليه أن يعلم أن العرب عامة و الاردن خاصة قد يختاروا الحرب اذا ما غابت خيارات السلام الذي ينتظر قرار و اتفاق عادل ..