وقف إطلاق النار هي حالة مؤقتة من وقف الحرب أو الصراع المسلح، حيث يتفق الطرفان المسلحان على وقف الأفعال العدوانية ووقف جميع النشاطات العسكرية لمدة معيَّنة في منطقة معيَّنة من جانب الطرفين, حيث يتفق كل طرف مع الطرف الآخر على تعليق الأعمال العدوانية، بوساطة طرف ثالث أو ربما أكثر, وتجدر الاشارة أن هناك فرق بين الهدنة ووقف إطلاق النار, حيث يقتصر وقف إطلاق النار على وقف الأعمال القتالية مؤقتا في نطاق جغرافي محدد، بينما تعقد الهدنة وجوبا باتفاق أطراف الصراع أو من يمثلها، وتشمل جميع الرقعة الجغرافية المعنية بالقتال، ويختلف مفهوم اتفاق الهدنة عن اتفاق وقف إطلاق النار في كون مدة الهدنة أقصر من وقف إطلاق النار، وللهدنة هدف إنساني بالدرجة الأولى, كإدخال المساعدات والإغاثة، بينما يهدف وقف إطلاق النار إلى تحقيق أهداف استراتيجية من قبيل إعادة ترتيب القوات وتجميعها، وتقييم قدرات الخصم، أو إعطاء الفرصة للسياسيين للتفاوض.
في الحرب العالمية الأولى كان هناك وقف إطلاق نار غير رسمي بين فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا من اجل الاحتفال بالكريسماس, لم تكن هناك معاهدة لتوقيعها وتم استكمال الحرب بعدها بأيام, وفي الحرب الكورية تم إعلان وقف إطلاق النار من أجل وقف الصراع وإنشاء منطقة منزوعة السلاح, ولم يتم توقيع اتفاقية من أجل ذلك، وتم ترك الكوريين الشماليون والجنوبيون في حالة حرب, أما في الحرب العراقية الإيرانية فقد وافق البلدان على وقف إطلاق النار لتبدأ بعدها المفاوضات المباشرة بين العراق وإيران.
وفي جانب الهدن نجد أن هدنة عام 1949م هي مجموعة من اتفاقات الهدنة الموقعة بين إسرائيل والدول المجاورة لها وهي مصر ولبنان والأردن وسورية لوضع حد رسميًّا للأعمال العدائية الرسمية للحرب العربية - الإسرائيلية 1948م، وتحديد خطوط الهدنة بين القوات الإسرائيلية والقوات الأردنية-العراقية، المعروفة أيضا باسم الخط الأخضر, وعلى مدى تاريخ الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، لم تشهد الحروب هدناً أو وقفاً لإطلاق النار إلا بعد احتدام القتال.
وفي عام 2008م، أدت هدنة إلى وقف إطلاق النار بعد هجوم إسرائيلي على قطاع غزة، كانت مدتها 6 أشهر بوساطة مصرية، ودخلت حيز التنفيذ يوم 19 يوليو, وتضمنت الهدنة حينها وقف إطلاق النار المتبادل، وتخفيف الحصار العسكري والاقتصادي على غزة بما فيها فتح جميع المعابر الحدودية, إلا أن هذه الهدنة انهارت سريعاً في الشهر التالي، بعدما شنّت إسرائيل هجوما برياً موسعاً على القطاع الساحلي.
والسؤال هو لماذا نجحت بعض اتفاقات وقف إطلاق النار والهدن بين المُتنازعين في بعض المناطق في هذا العالم, بينما فشلت جهود وقف إطلاق النار بين المُتنازعين في مناطق أخرى من هذا العالم, مع تأكيدنا أنه لا يوجد سبب أو تفسير واحد يمكن تعميمه على هذه الحالات بسبب اختلاف الظروف السياسية وأسباب الصراع المسلح، وتوازن القوى بين القوات الحكومية والتنظيمات المسلحة.
يمكن الإشارة هنا لنجاح أو فشل وقف إطلاق النار والهدن إلى مجموعة من العوامل لعل أبرزها :
ضعف أو انعدام الثقة المتبادلة بين الأطراف المتقاتلة، واعتقاد كل منها بسوء نيات الطرف الآخر وأنه لن يلتزم بالتعهدات المترتبة على وقف إطلاق النار، أو أنه سوف ينتهز أول فرصة لانتهاكها. ومن ثم، تتردد الاتهامات المتبادلة بين الأطراف بانتهاك وقف إطلاق النار.
ثم اعتقاد أحد أطراف الصراع بإمكانية الحسم العسكري وأن لديه فرصة لهزيمة الخصم أو الخصوم في ميدان المعركة, ففي هذه الحال، لا تكون لدى قادة هذا الطرف الرغبة في وقف إطلاق النار، لأن ذلك في تصوره سوف يحرمه من إمكانية تحقيق فوز عسكري حاسم، وفرض شروطه كاملة على الطرف المهزوم, وفي هذه الحال أيضاً، يكون القبول العلني بجهود الوساطة هو من قبيل المُناورة السياسية لالتقاط الأنفاس وإعادة تزويد مخازنه بالسلاح والذخيرة.
كذلك تعدد أطراف القتال وتنوع أهدافها وعدم خضوعها جميعاً لقيادة واحدة، ففي بعض الحالات تكثر المليشيات العسكرية والتنظيمات والطوائف، والمجموعات المناطقية، والتي تحمل السلاح دفاعاً عن مصالح فئوية أو جهوية.
إضافة إلى دور القوى الخارجية التي لا يكون في مصلحتها وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، فتتدخل في الصراع، أحياناً بشكل مباشر في صورة أفراد وخبراء ومدربين، وفي أغلب الأحيان في صورة تزويد حلفائها المحليين بالمال والسلاح والذخائر، وتشجعهم على عدم الانخراط في وساطات وقف إطلاق النار، أو عدم احترامها, وهو ما يعطي لهذه الحالات صفة (الحرب بالوكالة)، فتصير الحروب الأهلية هي ساحة الصراع والمنافسة بين القوى الإقليمية والدولية، ويكون من الصعب احترام اتفاقيات وقف إطلاق النار من دون موافقة الدولة أو الدول الراعية لأطراف القتال.
وأخيراً حجم الوزن المادي والمعنوي للدول التي تقوم بالوساطة، فكلما امتلكت تلك الدول ما يكفي من أوراق الضغط والتأثير في سلوك أطراف الحرب والتي تشمل مزيجاً من (العصا والجزرة)، تزداد فرصة تأثيرها وتسهل إمكانية نجاح وساطتها, ومع ذلك، فإنه لا ينبغي قبول هذا الرأي على إطلاقه.
أن تتعدد أسباب عدم نجاح اتفاقيات وقف إطلاق النار والهدن مع التنظيمات المسلحة، يختلف دورها ووزنها من حالة لأخرى، ولكنها ترتبط جميعاً بجوهر رئيسي وهو درجة هشاشة الدولة وحجم الانقسامات الاجتماعية، وشعور بعضها بالإقصاء والتهميش وعدم العدالة, ويترتب على ذلك تصدُع كيان الدولة وتحلل مؤسساتها السياسية والأمنية، فإن نشوب القتال بين الأطراف المتنازعة هو دليل على فشل عملية (بناء الدولة), ويأتي إخفاق محاولات الوساطة لوقف إطلاق النار بينها تأكيداً إضافياً لهذا الفشل.
وعودة إلى سؤالنا المطروح: هل يمتلك نتنياهو قرار وقف إطلاق النار؟
الإجابة على هذا التساؤل يقتضي الوقوف على مسألتين, المسألة الاولى البرنامج الذري الإيراني, والمسألة الثانية دعم أمريكا لإسرائيل, ففي المسألة الأولى نجد أن إيران تسير باتجاهين متكاملين, الاول يدور حول تسريع تخصيب اليورانيوم ورفع نسبه في المعامل, لإنتاج القنبلة الذرية, والثاني يدور حول دعم ما يسمى بساحات المقاومة حول جغرافيا دولة إسرائيل, أما في جانب المسألة الثانية والمتعلقة بدعم أمريكا لإسرائيل, نجد أن امريكا والغرب سنقسم إلى قسمين من حيث وقف تزويد إسرائيل بالسلاح بعد وقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
نتنياهو يدرك تماماً أن قرار وقف إطلاق النار سيكون أمام: امتلاك إيران للسلاح الذري, وتوقف الغرب في تزويد إسرائيل بالسلاح تماماً, وهذا يعني بالنسبة له سقوط كبير في فخ الساسة الامريكان لعمل توازنات استراتيجية في منطقة الشرق الاوسط, وبالتالي قبوله مكرها بما يسمى بــ(حل الدولتين) أو إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية, وسيكون عندها أمام النظرية الأمريكية والتي تنص على: الدعم المنتهي بقبول الواقع.