لأن نسبة ليست قليلة من المسؤولين لا ترتقي الى مستوى توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، في ضرورة المتابعة بكل اشكالها، وخاصة الميدانية، لحل مشاكلنا الوطنية، فان هذه المشاكل تصبح مزمنة، ويصبح حلها أكثر كلفة.
خير دليل مادي ملموس على عدم متابعة المشاكل حتى حلها، مشكلة العنف الجامعي، المعيبة بحقنا جميعا، وآخر صورها، هي بداية العام الدراسي الجامعي الجديد في الجامعة الأردنية، يوم الاحد الماضي وفي اول أيامه، بمشاجرة بين طلبة الجامعة وداخل حرمها، وصفتها الاخبار المنشورة بانها كانت مشاجرة من حيث الحجم والعنف الى الدرجة التي اضطر بسببهما رجال الأمن الجامعي للتدخل، وفك الاشتباك بين الطلاب.
وبسبب حجم هذه المشاجرة احتلت اخبارها موقعاً متقدماً في التداول على وسائل التواصل الاجتماعي.
بداية العام الدرلسي الجامعي بهذه المشاجرة، يعزز ما سبق وان اكدته ندوة العنف الجامعي، التي عقدتها جماعة عمان لحوارات المستقبل، بمشاركة خبراء أصحاب تجربة طويلة في التعليم الجامعي وإدارة الجامعات، فقد عززت هذه الندوة القناعة لدى المراقبين بأن هناك من لا يريد حلا للمشاكل والأزمات التي نواجهها على الصعيد الوطني، وفي مختلف المجالات.
الهروب من حل المشاكل ومواجهة الازمات في بلدنا، ليس لعجزنا عن تشخيصها ومعرفة أسبابها، فكل مشاكلنا مشخصة، ومعروفة الأسباب.
وليس من أسباب هروبنا من حل المشاكل ومواجهة الازمات، عدم امتلاكنا لمفاتيح المواجهة والحل، ففي أدراج مؤسسات الدولة عشرات الاستراتيجيات والحلول لمشاكلنا وازماتنا، لكن هذه الاستراتيجيات والحلول تظل حبرا على ورق. ليس بسبب نقص الأموال في معظم الأحيان، بل لغياب الرغبة والارادة لدى نسبة من المسؤولين، بالعمل لمواجهة هذه المشاكل وحلها، اما لعدم كفاءتهم، أو لعدم رغبتهم بتحمل المسؤولية، ومن ثم التعامل مع المواقع التي يشغلونها على أنها مواقع تشريف لا تكليف، يتمتعون بمزاياها ويهربون من أداء واجباتها.
غير ان العامل الرئيسي في عدم الرغبة بالعمل والإنجاز هو غياب الرقابة، ثم غياب المتابعة والمحاسبة، لمعاقبة المقصر، ومكافأة المبدع. وفي هذه الحالة يتساوى الصالح والطالح. وتزيد المشاكل وتتفاقم الأزمات.
نعود إلى ندوة العنف الجامعي لنقول: ان العنف الجامعي مشكلة تصلح كنموذج لعدم الرغبة في حل مشاكلنا، ذلك أن الخبراء وأهل الاختصاص، قاموا منذ سنوات بدراسة أسباب المشكلة ووضعوا لها الحلول المحددة سواء كان ذلك من خلال استراتيجية الحد من العنف في الجامعات الأردنية التي أعلنت عام 2012ا والدراسة التي أعدها المجلس الأعلى للشباب عام 2009 وغيرها من الدراسات العلمية الميدانية التي قام بها أساتذة جامعات، منهم من كان رئيسا لجامعة او عميدا لشؤون طلبة.
لقد وصلت هذه الدراسات إلى حلول جذرية لمشكلة العنف الجامعي، وهي حلول لها علاقة بمدى استقلالية الجامعات، وبمدى جهوزية مبانيها ومرافقها، وبسياسات القبول، وبأساليب التدريس، وبكيفية قضاء الطلبة لأوقاتهم في الجامعة، ومدى انخراطهم بنشاطاتها، وعلاقة الجامعة بالمجتمع وأيهما يتأثر ويؤثر بالآخر.
أما أهم الحلول لمشكلة العنف الجامعي فهو عدم تطبيق القانون، فالتشريعات الأردنية قد عالجت كل أسباب العنف الجامعي، لكن المشكلة اننا لا نطبق القانون لأننا لا نريد حلا. لذلك لا ترتقي الى مستوى التوجيهات الملكية.