مرّ عام أي ما يتجاوز الـ 365 يوماً على بداية أعمال التدمير لمساحة جغرافية (قطاع) لا يتجاوز مساحة مدينة صغيرة في دولة ذات جغرافيا بسيطة، فقام من خلالها جيش جرار معتدٍ مدعوم مالياً وعسكرياً ولوجستياً وبأعتى الأسلحة من دول عظمى بالعالم تدّعي الإنسانية على التدمير والتنكيل بالبشر والحجر.
خلال هذا العام ويومياً شلال دماء لضحايا أبرياء ونساء وشيوخ لا يتوقف، وصل خلاله عدد الشهداء إلى ما يقارب الـ (42) ألفاً، أما المفقودين والجرحى فتجاوز عددهم الـ (150) ألفاً، بالإضافة إلى التهجير والتشريد لما يتجاوز المليون غزّي.
غزة، تلك الجغرافيا المحاصرة منذ 17 عاماً تحولت إلى زنزانة خانقة بل ومدمرة نهائياً منذ ما يقارب العام، دون حسيب أو رقيب على المعتدي الذي بيّن للعالم أن مقياس الإنسانية معاييره تختلف عندما تُطبق عليه وعلى داعميه من العديد من الدول، فحقوق الإنسان والطفل والمرأة والشيوخ وحتى الاتفاقيات الدولية لا يُعنى بها، وغير ملزم بتطبيقها وفرضها عليه، والمجتمع الدولي أيضاً غير قادر على إلزامه بها، وللأسف عند الحديث حول القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الحامية للإنسانية، نجد أن المتحدث يتلعثم من فارق النص والتطبيق.
منذ بداية الأعمال البربرية وغير الإنسانية، حددت الحكومة اليمينية من خلال رئيسها أهداف معاركها على غزة التي لغاية يومنا هذا، لم يتحقق منها أي هدف، لا بل على العكس تحقق عكسها، فلم توقف الصواريخ والأعمال الدفاعية من قبل المقاومة الفلسطينية ولم يُقضى على حماس، ولم تنتهي قدرتهم العسكرية رغم شحّها وقلة مواردها مقارنة مع العدو وجيشه المدعوم دولياً، كما لم تتمكن من استعادة أي من الرهائن إلا من قتلتهم عن طريق الصدفة، والباقي ما يزالون بانتظار رحمة حكومتهم العنصرية، إذ اتضح منذ اليوم الأول من اعتدائها وتنكيلها بالعزّل المدنيين على أنها ترغب بإطالة أمد المعارك لأسباب داخلية وخارجية، الجميع يعلم ما هو متعلق بمحاكمة رئيسها، واللعب على ورقة وصول الجمهوريين في أمريكا للسلطة.
للأسف، سقطت الإنسانية أمام الماكينة العسكرية؛ فصوت الانفجارات وشلال الدماء والجوع وفرض الظروف اللاإنسانية هو ما يتصدر المشهد، فلا صوت يعلو فوق صوت الصواريخ والقتل والتشريد والتهجير، ولا سياسة ولا قانون قادرين على وقف هذه الأعمال البربرية المجرمة وفق القوانين الدولية.
مما لا شك فيه بأن المعارك على غزة، فضحت العالم الإنساني وكل مدّعي الإنسانية وكل من يكيلون بمكياليْن، فالطفل الفلسطيني لا حقوق له ويختلف الدفاع عن طفولته كما الطفل الأوكراني مثلاً، والنظام الدولي الذي يتحكم بالعالم لا قدرة له سياسياً من خلال قرارات مجلس الأمن إلا على الدول الضعيفة، في ما إسرائيل لا قرارات تُنفّذ ضدها، والقضاء الدولي وقراراته لا قيمة قانونية لهم بمواجهة إسرائيل حتى لو كانت صادرة عن أعلى محكمة دولية بالعالم.
ختاماً، لن أحلل سياسياً في هذه المقالة، ولكن في قادم الأيام سنشهد أحداثاً في مناطق مختلفة بالعالم، وسوف يتذرع أحد طرفيها لما حدث ويحدث من إخلال للمنظومة الدولية وأحداث غزة، وعدم استطاعة العالم تطبيق الغايات التي قامت من أجلها الأمم المتحدة والمنظومة الدولية وبالخصوص فرض الأمن والسلم الدوليين.