رغم الفوضى وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة، يظل الأردن صامدًا وقويًا. فمنذ السابع من أكتوبر، فقد تعرضت الساحة الأردنية لاستهداف متواصل، وموجات منظمة ومبرمجة ومكثفة من التحريض الإعلامي ومحاولة فرض ولاءات غير مرحب بها على الشارع الأردني، وعلى منصات التواصل الاجتماعي عجت منشورات وفيديوهات ممولة ومنتجه بأعلى تقنيات الإنتاج الإعلامي لتمرير روايات تطعن بموقف الأردن من فلسطين. وكلما زادت الضغوط، يتجلى صمود الأردن كذهبٍ يلمع في الأزمات. إذ ان تماسك النسيج الاجتماعي الأردني وقوة الإرادة الوطنية جعل من الأردن مثالًا يُحتذى به في مواجهة الأزمات، ويعكس قدرة الاردنيين على التغلب على التحديات بتعزيز الوحدة الوطنية والعزيمة، وإلى سياساته الحكيمة والهادئة والحفاظ على الأمن الداخلي.
لم يلتفت الأردن الى ما كانت تطحنه وتدبره الغرف السوداء التي تدار من جهات معاديه، وتبث سمومها وتمول وتدعم أفكار واوهام تنتقص من الأردنيين وقيادته وجهودهم ومساهماتهم تصل حد التخوين والطعن بمواقف الأردن العروبية الاصيلة. لم يتجاوز الأردن كل هذه المشاريع التي تحاك عليه بالمكر والحيله، بل واجهها بشجاعة وجسارة، وبمواقف صريحة بليغة تنطق الحجر والشجر كما فعل جلالة الملك في الأمم المتحدة قبل أسبوع، وبأفعال لا يقدم عليها الا الشجعان الابطال في ميادين الشرف والبطولة.
لا غرابه تشبيه الأردنيين بالذهب، الذي يزداد لمعانًا مع كل أزمة. فكلما زادت التحديات، تظهر قوة الأردن وصلابته. فقد استطاع الأردن رغم الاستهداف المتواصل من الحفاظ على هويته الوطنية، ورفض الانجرار وراء الفتن. وإن تجارب الماضي، التي شهدت العديد من الأزمات، تعزز هذه الفكرة، حيث استطاع الأردن أن يتحول من محنة إلى منحة، متجاوزًا الأزمات بذكاء وحكمة، وأكثر قوة ومنعة.
لم يدعي الأردن منذ السابع من أكتوبر فعلا او عملا أكبر من حجمه، ورغم ضيق الإمكانات وشح الموارد، الا ان الأردن خاض ببسالة وبدون توقف معركة دعم صمود الاهل في غزة بعيدا عن عنتريات الشاشات، ومثاليات وهم الانتصارات، وأكذوبة وحدة الساحات التي ورطت العرب في اقل ما يمكن وصفها بنكبة اشد وطأة من تلك التي اصابتنا في ال 48.
منذ السابع من أكتوبر ظل الأردن مستهدف وجوديا من قبل الميليشيات الطائفية التابعة لإيران وعلى راسها حزب الله، وسجل الجيش العربي الأردني أروع بطولات صد هذه الهجمات التي تتم عبر المسيرات والمتفجرات والمخدرات، وأعلن عشرات المرات عن قتل مارقين وارهابيين وصد هجمات تحاول التسلل للساحة الأردنية، وأسقط عشرات المسيرات، وضبط مئات الكيلوات من الحشيش والمخدرات، وبالمقابل قدم الجيش خيرة ضباطه وافراده شهداء دفاعا عن الوطن وحياضه. ومع كل هذا الاستهداف والمشاغلة ظل السؤال الكبير كيف صمد الأردن مع كل هذه الحرائق؟؟؟
ومع هذا الاستهداف الطائفي على حدودنا الشمالية والشرقية، كانت اجهزتنا الامنية تسجل أجمل لوحات ضبط ايقاع الشارع المحلي، الذي انتفض منذ السابع من اكتوبر دعما لغزة واهلها ودعما للأردن وقيادته وجهود مؤسساته الرسمية والاهلية في تخفيف المعانة عن غزة ونكبتها، حيث شهد الأردن اعداد غير مسبوقة من المسيرات والاعتصامات في مدنه وقراه ومخيمات اللاجئين، حيث كانت هذه التظاهرات فرصة للتعبير عن مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين، وقد لعبت الأجهزة الأمنية دورًا مهمًا في حماية المشاركين وضمان سلامتهم، في وقت لم تسمح دول أخرى مجاوره حد ادنى من التعاطف. رغم ذلك، لم تخلو المسيرات من بعض الأصوات المؤدلجة التي سعت إلى استغلال الوضع لتحقيق أجندات خاصة. ولم تخلو ايضا من محاولات فاشلة وخائبة لإشعال مواجهة مع القوى الأمنية عبر الاستهداف اللفظي المكشوف، لكن سرعان ما تم التعامل معها بحكمة واحترافية من قبل الأجهزة المعنية. هذه الإجراءات تعكس الجهود المبذولة للحفاظ على النظام العام مع السماح بالتعبير الحر عن المواقف السياسية بمسؤولية عالية وانضباط.
إن هذه الروح الوطنية تجعل من الأردنيين مثالًا يحتذى به في كيفية التعامل مع الأزمات، بحيث تظل مشاعرهم منسجمة مع قيمهم الإنسانية والعدالة، وتعكس نضجًا ووعيًا في التعامل مع القضايا الإنسانية. ولم يغب السؤال الكبير أيضا في هذه المحطات التي استنزفت جهود الأجهزة الأمنية والشرطية حول كيف ظل الأردن صامدا رغم محاولة استنزاف قواه الأمنية مع كل محاولات ضرب نسيجه الاجتماعي وفرض ولاءات خارجية غير مرحب بها ابدا على الشارع الأردني؟؟
وتعتبر الدبلوماسية الأردنية واحدة من أبرز أدوات صمود الدولة الأردنية في ظل الأزمات المستمرة، خصوصًا منذ السابع من أكتوبر. فقد برز جلالة الملك عبدالله الثاني شخصيًا في الساحة الدولية، كما كانت جلالة الملكة رانيا بموقع اسناد كبير بما لها من حضور وتأثير دولي متقبل عالميا خير اسناد لجلالة الملك والموقف الرسمي والشعبي الأردني، حيث قاد جلالته جهودًا دبلوماسية حثيثة ليلاً ونهارًا لوقف المجازر التي تُمارس في غزة، مع التركيز على إيصال صوت المعاناة الفلسطينية إلى العالم. فمنذ بداية الأزمة، كانت التحركات الدبلوماسية الأردنية متسارعة وفعالة. واستخدم جلالته كل المحافل الدولية للتعبير عن رفضه للممارسات الإسرائيلية ولتسليط الضوء على المعاناة التي يعيشها أهل غزة، وكذلك عبر اللقاءات مع القادة الدوليين، سواء في الاجتماعات الرسمية أو الاتصالات الثنائية، او حسابات الديوان الملكي الرسمية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتم التأكيد على أن قضية فلسطين ومعاناة شعبها هي الأولوية الأساسية للأردن.
لقد كان الخطاب الدبلوماسي الأردني في المحافل الدولية واضحًا وصريحًا، حيث تم فضح الانتهاكات الإسرائيلية وجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين. ولم يتردد الأردن في استخدام منصات مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لتوصيل هذه الرسالة. إن هذا الوضوح والجرأة في الطرح يعكس التزام الأردن الثابت بقضايا الحق والعدل، ويعزز من مكانته في الساحة الدولية، وصوت حق لا يرتعد في سبيل الدفاع عن حقوق أهلنا في فلسطين.
ظن البعض (وقد خاب ظنه)، ان الأردن يتأرجح مع كل هبة ريح هنا او هناك، والبعض توهم ان الشارع الأردني تحكمه البوصات وأجندة المنصات الافتراضية الممولة لخلق تريندات كاذبه مختلقه لفرض روايات على غير قناعات الأردنيين، او انه وطن من كرتون يسقط امام تنبؤات مزعومة من قارئات الهوا والفنجان، لتاتي الصفعة لكل هؤلاء الواهمين مباشرة مع مرور السنة الأولى على احداث السابع من أكتوبر عبر استطلاع للراي العام لمركز الدراسات الاستراتيجية الذي أظهرت نتائجه ارتفاعًا استثنائيًا وغير مسبوق في ثقة الأردنيين بأداء مؤسسات الدولة، حيث بلغت النسبة نحو 97% في المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والرقابية.
وقطعا تعكس هذه النسبة العالية من الثقة شعور الأردنيين بالاطمئنان تجاه الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد، خاصة في ظل التحديات الإقليمية المحيطة. كما تتجاوز هذه الثقة مجرد الأرقام، فهي تعكس أيضًا وحدة الشعب الأردني وولاءه لوطنه، في وقت يواجه فيه الأردن العديد من الضغوطات. إن هذا الشعور بالثقة يعزز من النسيج الاجتماعي ويقوي الروابط بين المواطنين ومؤسسات الدولة، مما يسهم في مواجهة التحديات.
هذه الثلاثية المتناغمة، جيش رابض على جنبات الوطن يقف بالمرصاد لكل معتدي، وأجهزة امنية يقظة تقف كتف بكتف مع الأردنيين في الشوارع والميادين لا تسمح بخدش النسيج الوطني او تمرير اجندة ضيقة، وخطاب دبلوماسي بمستوى عالمي يقوده ملك الإنسانية والعدالة، أوبعد هذا كله تسألون كيف صمد الأردن؟؟؟