مع استمرار حرب الابادة على غزة يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من خسائر فادحة بعد مرور عام على العدوان ،والمواجهات في الضفة الغربية ، والعدوان الاسرائيلي على لبنان بالتالي يستمر العجز في الموازنة العامة الإسرائيلية ، وحسب خبراء إسرائيليين تعيش اسرائيل في فوضى اقتصادية حيث نجد ما يلي :
-النمو الاقتصادي في عام 2021بلغ 8.6% وفي عام 2022 بلغ 6.6% ، أما في عام 2023فقد بلغ 2% ومن المتوقع ان يكون في عام 2024 انكماش اقتصادي بنسبة 1.5% في حال استمرار الحرب لنهاية عام 2024 بدل من نمو متوقع 2.7% ، وتشير آخر التقارير لمؤسسات التصنيف الدولية الى توقعات نمو اقتصادي يتراوح بين 0% و 0.5%.
-الدين العام لإسرائيل بلغ في عام 2023 رقما قياسيا ( 299.18) مليار دولار مقارنة مع ( 275.13) مليار دولار في عام 2022 ، ومن المتوقع ان تصل نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الى 70% في نهاية العام بدلا من 60% في عام 2022، وتشير التقارير الدولية الى توقعات بارتفاع الدين العام الى 370مليار دولار وهو ما يتجاوز حجم الاحتياطيات بالعملات الاجنبية لبنك اسرائيل وهي 200 مليار دولار .
-العجز في الموازنة العامة لإسرائيل لعام 2024 يتوقع ان يصل الى 8% من الناتج المحلي لإسرائيل الذي بلغ لعام 2023 بحدود 510 مليار حسب تقارير البنك الدولي ، مع الاشارة الى موازنة عام 2024 بلغ حجم الانفاق 160مليار دولار بعجز مقداره 34 مليار دولار ، وقد زاد الانفاق عن عام 2023 بحدود 19 مليار دولار.
مع نظرة مستقبلية سلبية A -انخفاض التصنيف الائتماني لإسرائيل للمرة الثالثة الى
بالتالي زيادة تكاليف الاقتراض الخارجي ، وزيادة اسعار الفوائد على القروض الاستهلاكية والعقارية في اسرائيل ،وتأثير سلبي على ثقة المستثمرين ،وانخفاض سعر صرف الشيكل مقابل الدولار الامريكي 18% نتيجة تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل ، واخيرا زيادة عجز الموازنة .
-تكاليف الحرب الاولية ما بين 5-7 مليار شهريا وتشمل نفقات عسكرية ومدنية (تكاليف تتعلق بإجلاء 250 الف اسرائيلي من الشمال والجنوب وايوائهم في 438 فندق ومنشأة )،ومن المتوقع ان تكون ما بين 60-70 مليار دولار في حال استمرارها لسنة كاملة ، وهذه التكاليف لا تشمل اعادة اعمار ما دمرته الحرب والتعويضات للشركات المتضررة وغيرها .
-هروب الاستثمارات وخصوصا فيما يتعلق بالتكنولوجيا فائقة التميز التي تشكل 18% من الناتج المحلي لإسرائيل ، حيث ان موارد اسرائيل تعتمد بشكل اساسي على التكنولوجيا الفائقة التميز ، والسياحة ، والزراعة والبناء . مع الاشارة الى ان مجلة ايكونوميست البريطانية اشارت الى زيادة تحويل الاموال الى خارج اسرائيل من اكبر 3 بنوك اسرائيلية خصوصا مع تقلبات الشيكل الاسرائيلي مقابل الدولار بالرغم من قيام بنك اسرائيل بضخ 30 مليار دولار ا ، وايضا نتيجة تخفيض التصنيفات الائتمانية ، والتوترات مع حزب الله في لبنان، والتوترات مع ايران .
-حسب الاحصاءات الإسرائيلية اكثر من 46 الف شركة اغلقت و 75% منها هي شركات صغيرة .
-ترتيبات جديدة تتعلق بموازنة 2025 حيث انه بالرغم من رفع الضرائب على البنوك لتصل الى 26% ، فانه يوجد نية لفرض ضرائب جديدة على البنوك ، وخصخصة ميناء اسدود ، بالإضافة الى توقعات بارتفاع معدلات التضخم واسعار العقارات .
- توقف في انتاج الغذاء في مستوطنات غزة التي تشكل سلة الغذاء لإسرائيل :75% من الخضروات ، 20% من الفواكه ، و 7% من الحليب .
-تضرر قطاع السياحة بدرجة كبير ة مع التوقف الكثير لمطار بن غوريون ، وتأجيل اغلب الشركات السياحية العالمية رحلاتها الى اسرائيل نتيجة الاوضاع الامنية المتوترة في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان والضربة المحتملة لإيران .
-توقعات مدير بورصة تل ابيب بتحول اسرائيل الى دولة فقيرة خلال عشر سنوات بسبب ارتفاع تكاليف الحرب ،واستمرار انخفاض الشيكل مقابل الدولار وهروب المستثمرين .
-المخاطر التجارية عبر باب المندب ، حيث يعتبر مضيق باب المندب الخيار الأفضل للتجارة بين دول آسيا من جهة وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى ويربط بين البحر الاحمر من الجنوب بالمحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن ، ويمر بالمضيق 10%- 12٪ من التجارة البحرية الدولية ،بالتالي يمر بالمضيق 17الف سفينة سنويا ، و6مليون برميل نفط يوميا او ثلث نفط العالم ، و 8% من تجارة الغاز المسال في العالم.
و يفصل باب المندب بين جيبوتي في افريقيا واليمن في اسيا وتتحكم به كل من اليمن وجيبوتي وإريتريا ، وزادت اهميته عالميا بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 وربط البحر الاحمر بالبحر الابيض المتوسط، ويعبر من خلاله خمس الاستهلاك العالمي من النفط ،لذا اوجدت العديد من الدول قواعد عسكرية لها في جيبوتي والصومال وإريتريا.
أما مضيق جبل طارق فهو نقطة وصل بين أوروبا وأفريقيا ، ويربط بين البحر الابيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ويقع بين جنوب إسبانيا وشمال افريقيا وطوله 58كم ، ويمر من خلاله 5% من تجارة النفط ، وسدس التجارة الدولية ، ونحو 260 سفينة يوميا ،ويحتاج مسار الشحن البحري من الصين او الهند عبر البحر الحمر مرورا بباب المندب وقناة السويس ثلاثة اسابيع وبعد اغلاق باب المندب والتوجه نحو مضيق جبل طارق من خلال طريق رأس الرجاء الصالح فتحتاج السفن إلى 6 اسابيع ،وتطول المسافة بأكثر 13 الف كم ، بالتالي ارتفاع تكاليف رسوم الشحن للحاوية الواحدة من 1500 دولار إلى 3000 دولار ،وارتفاع رسوم التأمين على السفن البحرية وشحناتها بنسبة 100% بسبب زيادة المخاطر وطول المسافة ،بالتالي ارتفاع اسعار السلع .
وتعتبر قناة السويس الطريق الأسرع والاقصر حيث تصل معدلات توفير الوقت للرحلات المتجهة عبر قناة السويس بين قارتي آسيا وأوروبا من 9 أيام إلى أسبوعين وفقا لمينائي القيام والوصول " .
ان هذه التطورات سوف تؤدي إلى ارتفاع اسعار النقل والتأمين وتكاليف الانتاج والوقود ، وارتفاع اسعار النفط والغاز عالميا ، وبالتالي ارتفاع اسعار السلع عالميا ، وتمتلك إسرائيل موانئ على البحر الابيض المتوسط هي ميناء حيفا في الشمال وهو الميناء الأكبر والأقدم ، وأسدود في الجنوب ، حيث ان ميناء عسقلان القريب من غزة مغلق منذ عملية طوفان الاقصى، أما ميناء أيلات فهو المنفذ البحري الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر وهو ميناء صغير ومخصص لتصدير المواد الكيميائية ، وأصيب بالشلل بسبب هجمات الحوثين ، ويشكل هذا الميناء 3% من حركة السلع إلى إسرائيل ، وهو اكبر ميناء لاستيراد السيارات ، ويصل الميناء 44% من المركبات المستوردة.
وتعتمد إسرائيل في تجارتها الخارجية على الشحن البحري بنسبة 70%-90% ، وخصوصا مع دول شرق وجنوب شرق آسيا ، التي تعتمد على المرور عبر مضيق باب المندب وقناة السويس .
أن التجارة البحرية لإسرائيل تتم عبر سفنها أو سفن دول وشركات أخرى وعدد الافراد الذين مروا عبر الموانئ الإسرائيلية في عام 2022 (تجارة أو سياحة ) بلغوا 387الف مسافر ، اما التجارة السلعية لإسرائيل فتشكل 34.6٪ من الناتج المحلي ، حيث بلغت صادرات إسرائيل من السلع 73.8مليار دولار، بزيادة مقدارها 10% عن عام 2021 وهي مقسمة كما يلي: 38% اوروبا ، 35% أمريكا ،24% آسيا ،والباقي أفريقيا واكرانيا .
اما الواردات فبلغت 107.2مليار دوﻻر ، بزيادة مقدارها 17% عن عام 2021، واستقبلت موانئ إسرائيل 40.6 مليون طن وصدرت 18.2مليون طن ،وتقدر حجم التجارة الإسرائيلية مع الدول الآسيوية ب 40 مليار دولار سنويا خلال عام 2022.
- لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل تنقذ المساعدات الامريكية إسرائيل من هذه الازمة الخانقة للاقتصاد؟
فيما يتعلق بالمساعدات الامريكية لإسرائيل فالتعاون وثيق جدا في الجانب العسكري والجانب الاقتصادي ، فتعتبر إسرائيل اكبر متلقي للمساعدات العسكرية الامريكية ، حيث يوجد اتفاق بين الادارات المتعاقبة على البيت الابيض بالتعاون مع مجلسي الكونجرس على دعم إسرائيل ، وذلك لان دعم إسرائيل يخدم مصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط ، ولا ننسى دور اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ومدى تأثيره على السياسة الإسرائيلية .
أن الدعم الامريكي للكيان الإسرائيل متواصل منذ الازمة الاقتصادية في بداية الخمسينات من القرن الماضي والتي مرت بها إسرائيل بعد حرب 1948 والتي تسمى بحرب النخبة ، اي منذ تأسيس هذا الكيان ولوجود اهداف استراتيجية مشتركة بلغت حجم المساعدات الامريكية إلى إسرائيل لغاية عام 2023 ما يصل إلى 158.8 مليار دولار وذلك حسب المصادر الامريكية وهي تقسم :
1-مساعدات عسكرية 114.4مليار دولار.
2-مساعدات اقتصادية 34.4مليار دولار امريكي .
3-مساعدات برنامج الصواريخ 10مليار دولار.
وتتلقى سنويا إسرائيل 3.3مليار دولار مساعدات على شكل منح تقريبا و 500مليون دولار للبحث والتطوير ونشر انظمة الدفاع الصاروخي مثل: القبة الحديدية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ،وفي عام 2021 بلغت المساعدات الامريكية ضمن برنامج التمويل العسكري الخارجي لإسرائيل 59% من حجم المساعدات وباقي العالم 41%.
أن هذا الدعم يتم من خلال تبني الكونجرس الامريكي قانون يسمى قانون التفوق العسكري النوعي بالتالي يتم تقديم احدث التكنولوجيا الحديثة لإسرائيل ، وقد يقوم الكونجرس بتعطيل صفقات اسلحة للدول الاخرى في المنطقة ،لكن يجب الاشارة إلى ان المساعدات العسكرية مشروطة بعدم وجود انتهاكات لحقوق الانسان، وتشير العديد من الدراسات إلى وجود دعم كبير ومساعدات من قبل مؤسسات وجمعيات امريكية ويبلغ هذا الدعم بحدود 100مليار دولار لغاية عام 2023 ، مما يرفع حجم المساعدات إلى 260 مليار دولار امريكي، ومما يجدر ذكره قيام الولايات المتحدة ايضا بتقديم ضمانات للقروض الإسرائيلية من المؤسسات والمنظمات الدولية وهذا يسمح لإسرائيل بالاقتراض بسعر فائدة اقل .
أ.د.عبدالفتاح
باحث ومتخصص في الاقتصاد الإسرائيلي