عندما تستحضر المشهد الأردني في وجدان القلم لا يكفي ان تأتي بمفكر فيلسوف او مؤرخ مثقف .. بل عليك أن تأتي بشاعرٍ عاشق .. لن تستطيع ان تقدم رواية صادقة لهذا الوطن إن لم تكن عاشقاً ولن تستطيع ان تصف تحفة الأردن إن لم تكن شاعراً فمتطلبات إنصاف الحق مما يكتنفه من عوار الباطل لا يميز طيبه من خبيثه إلا فارس وما كان العشق يوماً إلا طريدة خيله وما كان شعره إلا ترجمة لعيون تستحق التضحية وهكذا تستكمل شخصية الأردني او هي متعذرة حتى على التأويل ..
قبل أيام كانت عجلون تزف العريس مجدداً بمعية ( سيدنا ) .. هل تذكرون سيف الحق الذي اهداه الملك لأميرنا في عرسه ؟ هو من صخور عجلون .. صنع منها وفيها ليقدم اللحظة من يد الاب للابن الذي استطاع التقاطها فكانت رائعة الامير التاريخية متقلدا سيفاً اصيلاً بلباسه العربي الجليل وهو يقبل رأس أبيه لتتجسد أرفع القيم في وجداننا وإيماننا .. وهو ذات السيف لا غيره الذي استله سيدنا بمهابة الرجل العتيق الذي عبر الزمن ليقول من بني هاشم الى بني هاشم ومن سادة السادة الى أسياد الأرض تحية ..
قد .. يكون تاريخنا اغتيل في لحظة زهفت فيها عيون النشامى عن الذات لكن بقي التاريخ هو التاريخ الذي آمن بنا بأننا في حجم بعض الورد وسيفنا ما نبا فقيل يوماً السيف دمشقي وما علم اهل الموروث بأنه عجلوني مثلما ثلمونا بغير حق عندما زعموا ان من صنع حضارة الزجيج كانت سوريا أما الحق الذي ما كان من دونه هو الباطل أن معان الجنوب كانت بذلك أول الحضارة .. يا الله كم تحضرني عين غزال وام الرصاص وكل بادية وحضر لترسم فسيفساء مادبا لوحة قدر الله بانها اردنية ..
دعونا من مظلومية التاريخ الذي مهما عبرناه لم نتقن يوماً فيه فن صناعة النجوم وإن تلألأت في غياهب وظلام الأمة ولنعد الى عجلون .. لقد ترك لنا فيها الأجداد رسالة غريبة لا يمكن أن تجدها في غير الأردن ولو طفت الأراضين السبع وسمائهن وحفت الطيف .. في القلعة موضع لله يتعبد فيه من اراد ان يجعل الله في قلبه رأفة قبل النزال وحوم الوغى فالناس لا تعرف ان اكثر من نصف جيش حطين الذي كانت طلائع فرسانه من خيالة عجلون هم مسيحيو الشرق الذين تحالفوا مع الارض والعرض بمواجهة دواعش ذلك الزمان فكان فتح بيت المقدس ..
الرسالة باتت واضحة .. الأرض لله ونحن غرسه فيها وما كان منتج الزارع الا بدلالة وأثر يده بكل تفردها وتنوع ما انتجته ذات الارض .. نحن كلنا جميعنا معا نتاج ناموس واحد ورب واحد ومستقبل واحد .. وحدتنا سبيل خلاصنا وطريق نصرنا وصون ارضنا وعرضنا ومكتسباتنا لذا في القلعة تجد المسجد والى جانبه تماماً الكنيسة جعلا لله وحدة واحدة يضمهما الاردن الى جسده وعزته وصون بيضته لذا كانت القلعة هي الدرع ومن صخورها السيف ولا يخبرك الرواية سوى فارس أردني .. رحمك الله يا فراس العجلوني