في العصر الرقمي الذي نعيشه الان، أصبحت السلامة الوطنية أكثر تعقيدًا مما كانت عليه في السابق، حيث توسع هذا المفهوم ليشمل ليس فقط الدفاع عن حدود الدول بالوسائل التقليدية، بل تعدى ذلك وصولا الى حماية البنية التحتية الرقمية، والأمن السيبراني، وتكنولوجيا المعلومات الحساسة التي تمثل ثروة وطنية يجب حمايتها والدفاع عنها. استخدام التكنولوجيا والرقميات والذكاء الاصطناعي بشكل واسع في الحياة اليومية، بدءًا من الأجهزة الذكية وصولًا إلى الأنظمة المالية والخدمات الحكومية، جعل الدول أمام تحديات جديدة تتطلب تطوير استراتيجيات غير تقليدية لحماية أمنها الوطني.
تُعد الهجمات الرقمية على الأنظمة الحيوية واحدة من أبرز التهديدات التي تواجه الدول، والمثال الحي على ذلك هو عملية تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية (walkie-talkie) وأجهزة البيجر في لبنان التي استهدفت عناصر حزب الله اللبناني المتواجدين في مناطق مختلفة ومتعددة عسكرية ومدنية. هذه الهجمات لم تكن مجرد هجمات عسكرية تقليدية، بل كانت تستند إلى استخدام أجهزة رقمية مفخخة، وهو تطور خطير في مجال الحروب الإلكترونية، حيث تم تفخيخ أجهزة اتصال لاسلكية عادية وتحويلها إلى أدوات قتل عن بُعد، ما يعكس مستوى التهديدات السيبرانية والتقنية التي أصبحت تواجه الدول والمنظمات وحتى الشركات والأفراد.
تشير هذه الحادثة إلى خطورة الفضاء الرقمي عند تحوله إلى ساحة حرب تستغلها الجهات المعادية، فالأجهزة التي نستخدمها يوميًا يمكن أن تصبح أدوات تدمير إذا لم تُدار بطرق محكمة وآمنة، وهذا الحدث يوضح كيف أن الدول والجماعات أصبحت تسعى لتطوير أسلحة رقمية وتقنية تتجاوز الحرب التقليدية وتستهدف السلامة الوطنية من خلال أنظمة الاتصالات والبنى التحتية الرقمية.
هذه الهجمات لم تقتصر على أفراد عسكريين بل طالت مدنيين أيضًا، مما يظهر أن الفضاء الرقمي قد يتجاوز حدود الحرب التقليدية ليشمل كل جوانب الحياة، والبنية التحتية التي تعتمد عليها الدول والمجتمعات، مثل شبكات الاتصالات، والمياه والكهرباء وهذه قد تكون ساحة خصبة لمثل هذه الهجمات، الأمر الذي يتطلب تحصينها وحمايتها بشكل مستمر.
مثل هذه الحوادث تعكس التهديدات المتزايدة التي تواجه السلامة الوطنية في العصر الرقمي، ومن أهم التحديات التي تواجه الدول الهجمات السيبرانية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، مثل أنظمة الطاقة، وشبكات المياه، أو المؤسسات المالية، والتي قد تتسبب في شلل كبير في أي دولة، فعلى سبيل المثال، يمكن لهجوم على شبكة الكهرباء أن يتسبب في تعطيل كامل للحياة اليومية، بينما قد يؤدي هجوم على الأنظمة المالية إلى انهيار اقتصادي. في حادثة تفجير أجهزة الاتصال والبيجرات، يمكن أن تصبح الأجهزة التكنولوجية التي نستخدمها بشكل يومي أدوات هجومية، وهذا يبرز أهمية فحص الأجهزة الإلكترونية وتأمينها في مراحل التصنيع والاستخدام، وفي هذا العصر الرقمي، لا يقتصر التهديد على الهجمات السيبرانية فقط، بل يمتد ليشمل الحرب النفسية والمعلوماتية، وانتشار الأخبار الزائفة والتضليل الرقمي يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي للدول، وقد يتم استغلال هذه الأدوات لإثارة الفتن والفوضى في المجتمعات.
استراتيجيات حماية السلامة الوطنية الرقمية:
من الضروري أن تقوم الدول بتطوير استراتيجيات شاملة للأمن السيبراني، ويجب أن تشمل هذه الاستراتيجيات حماية الأنظمة الحساسة، وتأمين البنية التحتية الرقمية، وتدريب العاملين على مواجهة التهديدات السيبرانية.
وبما أن الأجهزة اليومية قد تصبح أدوات هجومية، من الضروري اذا فحص الأجهزة التكنولوجية المستخدمة سواء في المؤسسات الحكومية أو من قبل الأفراد، والتأكد من أنها مؤمنة بشكل جيد.
ولا بد أيضا من العمل على رفع مستوى الوعي لدى المواطنين حول مخاطر استخدام الإنترنت وكيفية حماية بياناتهم الشخصية، فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يتعلم المواطنون كيفية اكتشاف رسائل التصيد الاحتيالي (phishing) أو الابتزاز الرقمي.
الهجمات الرقمية عادة ما تكون عابرة للحدود، لذا فإن التعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني يصبح ضرورة، ويجب على الدول أن تتشارك المعلومات وتتعاون في مواجهة التهديدات السيبرانية لضمان السلامة الوطنية بشكل جماعي.
بقي ان اقول ان السلامة الوطنية في العصر الرقمي تتطلب رؤية جديدة تتجاوز الأدوات التقليدية للحماية، فالحوادث التي حصلت مؤخرا مثل تفجير أجهزة الاتصال والبيجرات في لبنان تظهر أن التهديدات الرقمية يمكن أن تتطور بشكل كبير وتصبح أكثر تعقيدًا، لذا، يجب على الدول تعزيز قدراتها في مجال الأمن السيبراني، والتعاون على المستوى الدولي، وتطوير استراتيجيات وقائية شاملة تحمي بنيتها التحتية الرقمية وسلامة مواطنيها.