ظهرت بعض الآراء القانونية المقدرة خلال الأيام الماضية تفيد بأن مجلس النواب الجديد كان يجب أن تتم دعوته لعقد دورة استثنائية بدلا من دورة عادية، وذلك خلال شهر من تاريخ تشكيل حكومة الدكتور جعفر حسان لكي تتقدم الوزارة الجديدة ببيانها الوزاري إلى مجلس النواب. وقد استند أنصار هذا الرأي إلى حكم الفقرة (4) من المادة (53) من الدستور التي تنص على أنه "إذا كان مجلس النواب غير منعقد يدعى للانعقاد لدورة استثنائية وعلى الوزارة أن تتقدم ببيانها الوزاري وأن تطلب الثقة على ذلك البيان خلال شهر من تاريخ تأليفها".
إن المشرع الدستوري قد أورد مجموعة من الأحكام الدستورية الناظمة لإجراءات تقديم الوزارة الجديدة لبيانها الوزاري، وذلك من حيث المدة الزمنية المقررة لذلك وارتباطها بالحالة الدستورية لمجلس النواب. فإذا تشكلت وزارة جديدة وكان مجلس النواب منعقدا، فإنه يتعين عليها أن تقدم بيانا وزاريا خلال شهر من تاريخ تأليفها لغايات الحصول على ثقة أعضاء المجلس عليه، وذلك عملا بالفقرة (3) من المادة (54) من الدستور.
أما إذا تألفت وزارة جديدة وكان مجلس النواب غير منعقد، فإنه يدعى للاجتماع في دورة استثنائية وعلى الوزارة أن تتقدم ببيانها الوزاري وأن تطلب الثقة على ذلك البيان خلال شهر من تاريخ تأليفها، وذلك عملا بالفقرة (4) من المادة (53) من الدستور.
إلا أن كلا هذين الحكمين الدستوريين لا ينطبقان على حالة حكومة الحالية التي لم تتشكل خلال اجتماع مجلس النواب العشرين، كما أنها لم تؤّلف أثناء فترة عدم انعقاده. فمجلس النواب العشرون لم يجتمع في أي دورة برلمانية حتى تاريخه، ولم يقم أعضاؤه بأداء اليمين الدستورية لغايات الشروع في العمل وذلك تنفيذا لأحكام المادة (80) من الدستور. وعليه، فلا يمكن اعتباره في حالة عدم انعقاد لكي يتم دعوته لدورة استثنائية وتقديم الحكومة الجديدة لبيانها الوزاري؛ فهو لم يعقد بعد أي دورة برلمانية لكي يقال إن تلك الدورة قد انتهت وأصبح في حالة عدم انعقاد.
وبالتناوب، وعلى الفرض الساقط أن مجلس النواب العشرين في حالة عدم انعقاد، فإنه سيتعذر تطبيق حكم الفقرة (4) من المادة (53) من الدستور ودعوته للاجتماع في دورة استثنائية لكي تقدم الحكومة الجديدة بيانها الوزاري خلال شهر واحد من تاريخ تأليفها.
فحكومة الدكتور جعفر حسان قد تشكلت دستوريا بتاريخ 18/9/2024 وأن مدة الشهر التي منحها إياها المشرع الدستوري لتقديم بيانها الوزاري إلى مجلس النواب في دورة استثنائية ستنتهي بتاريخ 17/10/2024.
إلا أن هذا الموعد الزمني سيتقاطع مع استحقاق دستوري ثابت قررته المادة (78) من الدستور، يتمثل بضرورة دعوة مجلس الأمة إلى الاجتماع في دورة عادية في الأول من شهر تشرين أول من العام الحالي. فإن تم دعوة مجلس النواب الجديد لعقد دورة استثنائية لكان من اللازم دستوريا فضها بتاريخ 30/9/2024، لكي يتمكن المجلس من عقد دورته العادية الأولى في أول شهر تشرين الأول، وذلك قياسا على حالة عقد مجلس النواب الجديد لدورة غير عادية بعد إجراء الانتخاب العام، والتي أوجب المشرع الدستوري فضها مع نهاية شهر أيلول عملا بأحكام المادة (73/3) من الدستور.
وعليه، فإن دعوة مجلس النواب الجديد لعقد دورة استثنائية بعد تشكيل الحكومة الجديدة لكي تقدم بيانها الوزاري كان سيترتب عليه أن يكون أمامها ولهذه الغاية مدة زمنية أقل من شهر، فتلك الدورة الاستثنائية كانت ستكون مدتها أياما معدودة وكان سيجري فضها في نهاية شهر أيلول الماضي.
ومن الأدلة الدستورية الأخرى التي تدعم وجهة النظر باستحالة عقد دورة استثنائية لمجلس النواب الجديد، أن مجلس النواب العشرين لم يقم بعد باختيار رئيس له بالانتخاب من بين أعضائه، فيبقى التساؤل الأبرز يتعلق بهوية النائب الذي سيترأس جلسات مجلس النواب خلال الدورة الاستثنائية التي يُفترض أن تقدم فيها الحكومة الجديدة بيانها الوزاري إلى مجلس النواب لغايات الحصول على ثقة أعضائه.
إن المشرع الدستوري لم يُجز لمجلس النواب أن ينتخب رئيسا له في بدء أي دورة استثنائية؛ فالمادة (69) من الدستور تنص صراحة على أن ينتخب مجلس النواب في الدورة العادية رئيسا له لمدة سنة شمسية واحدة ويجوز إعادة انتخابه، وإذا اجتمع المجلس في دورة غير عادية ولم يكن له رئيس فينتخب المجلس رئيسا له لمدة تنتهي في أول الدورة العادية.
وعليه، فإن تطبيق الفقرة (4) من المادة (53) ودعوة مجلس النواب للاجتماع في دورة استثنائية لغايات تقديم بيان وزاري فيه استحالة دستورية، وأن الإرادة الملكية السامية بدعوة مجلس الأمة إلى الاجتماع في دورة عادية أولى بعد إرجائها إجراء يتوافق مع أحكام الدستور.