أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات وفيات جامعات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

ما بعد التقاعد


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

ما بعد التقاعد

مدار الساعة (الرأي) ـ
... العلاقة بين الأردن وإسرائيل.. هي علاقة من الذي يجب أن يحسب حساب الآخر...
كنت أقرأ تصريحاً لأحد المسؤولين السابقين يدعو فيه إلى بناء الملاجئ وإعادة خدمة العلم.. ويقول إن الأردن هو القادم بعد لبنان، هذا التصريح بحد ذاته هو مساس بالسلم الأهلي وتشكيك بقدرات الدولة...
حين تُقرأ تصريحات هذا المسؤول في إسرائيل، حتما فإنها تقرأ من زاوية أننا وطن مرعوب وخائف.. وحين تحلل وحداتهم الاستخبارية هذا التصريح، حتما ستحللها من زاوية أن الذي أطلقها تربع على عرش المسؤولية.. وبالتالي هو ينقل خوف الدولة ورعبها... بكافة مؤسساتها.
مع أنك حين تشاهد خطاب الملك الأخير في الأمم المتحدة وكيف اشار بيده إلى مكان وجود الوفد الإسرائيلي تكتشف أن خطابه كله يقوم على التحدي.. وفضح هذا الكتان المارق، وحين تشاهد تصريحات وزير الخارجية الأردنية تكتشف أنها تصريحات مسؤول يحتقر السياسة الإسرائيلية لأبعد حد.
سؤالي المحدد.. هل هذا وقت بث الخوف والقلق؟ هل هذا هو وقت الانتقام والاعتداء على معنويات الناس وصبرهم وفخرهم بصمود الأهل في فلسطين.. وسؤالي الأكثر تحديدا لهذا المسؤول إذا هاجمتنا إسرائيل فهل ستحمل أنت ذاتك السلاح وتقاتل؟
سأحدثكم عن الأردن.. وأنا سأرد على هذا الكلام، لا يوجد منزل في الأردن لا يوجد به قطعة سلاح.. وأنا لم أشاهد شابا أردنيا للان لا يجيد التعامل مع السلاح.. ناهيك عن أننا في الأردن أنتجنا ما هو أهم من الحزب وهياكله وسلاحه.. الناس تلتقي في الأحزاب على الفكرة وعلى العقيدة، ومن الممكن أن تنتقل البندقية من كتف إلى آخر.. كما حدث مع رفاقنا في بعض الأحزاب اليسارية حين.. انتقلوا من النضال إلى كراسي الوزارة... لكن العشيرة لا تغير لون الدم وابن العم لا ينسى ثأر ابن عمه.. العشيرة لا
يوجد فيها تغيير للأسماء والألقاب.. هل يستطيع عبدالهادي راجي أن يغير اسمه إلى عبدالهادي راجي شميطلوا ؟ مثلا.. ربما تجربة بعض من كانوا في مواقع المسؤولية حين غيروا عقيدتهم الحزبية من يسارية إلى منفعية.. ربما بعد تجربتهم المؤلمة.. ظنوا في لحظة أنها قد تسقط على البعض، وهذا الإسقاط فاشل حتما.
العشيرة في الأردن وحدة مقاتلة، رابطها الدم.. وليس الشعار أو الحزب أو الارتباط بالخارج، أو تلقي الدعم من الخارج.. هل شاهدتم عشيرة أردنية تسلح من الخارج.. أو تحمل عقيدة سياسية غير عقيدة الدولة.. هل شاهدتم منزل شيخ أردني ترفع فيه صور غير صور الملك عبدالله وولي عهده؟
الأردن لديه وحدات عشائرية في تكوينها وانتمائها.. مقاتلة بالفطرة، ومجربة ولم تخترق لا من مشروع إيراني ولا من مشروع روسي.. ولا من مشروع مالي.. إذاً لماذا الخوف؟
الأمر الآخر أن الأردن ليس لبنان.. الذي أسست فيه الحرب تناحرا بين الطوائف.. وأسست فيه ولاءات خارجية، مع أننا مررنا في فترة بالتجربة اللبنانية.. لكن ميزة هذه الجغرافيا أنها لا تنقسم ولا تخترق.. فعشائر الشمال ظلت وفية للجنوب وعشائر الجنوب ظلت على حبها للشمال.. والبلقاء كانت تحضن الكل بكفها.. وتلك ميزة لا يفهمها البعض وهي أن الأردن تجوز فيه حركات الحساب كلها.. إلا القسمة تسقط فيه حتما، لا المجتمع انقسم يوما ولا الجغرافيا.
أما بالنسبة لجيشنا، فلا أظن أن بلدا عربيا يمتلك احترافية وقدرة ضباط سلاح جونا.. ولا أظن أن بلدا عربيا يمتلك أيضا سلاحا مدربا ومجهزا مثل سلاح مدرعاتنا.. والأهم من كل ذلك أن الجيش الأردني هو الأكثر انضباطية في العالم.. على الأقل في كل معاركه التي خاضها، لم يعتمد يوما على المرتزقة.. لم يمارس القتل والسحل لم ينجرف في الصراع مع الأحزاب أو يصطدم بالمجتمعات المدنية.. والأهم من كل ذلك أنه الجيش الذي بني على شخصية حادة شرسة تمتلك هوية واضحة ثاقبة، واسرائيل تعرف.. أن خسائرها في صدام مع هذا الجيش ستكون أضعاف ما خسرت في كل حروبها مع العرب..
فلتأت اسرائيل على الأقل.. تعداد الرجال المتقاعدين من (بني حسن) في الأردن أكبر من كل فرق إسرائيل، تعداد الشباب بين عمر (17) إلى عمر (20) في عشيرة (بني عباد) وحدهم.. أكبر من تعداد سكان الشمال الإسرائيلي كله..
لماذا نصغر أكتافنا إلى حد الرعب، نحن دولة.. دولة بالمعنى الحقيقي، نحن الذين نمتلك خط بارليف الطبيعي الممتد من أقصى الشمال حتى الطفيلة، نعم هذه السلسلة الجبلية أقوى من بارليف.. نحن الذين أنتجنا ثورات في عهد تركيا وعلمنا العرب معنى أن يكون للثورة مبادئ وضحايا وشهداء.. نحن أيضا الدولة الأكثر قتالا خارج حدودها.. لقد قاتل جيشنا في اليمن وعمان وسوريا وفلسطين والكويت.. نحن الذين هزمنا إسرائيل في معارك مفصلية، ونحن أيضا من نحب التراب.. ونخلص له.. نحن من أسسنا المعاهد والجامعات ودور السينما والأنظمة البيروقراطية في دول شقيقة، نحن الذين تفوق (عيالنا) في الطب والهندسة وقمنا ببناء أهم الجامعات.. وما زال العرب يأتون لنا من أجل العلاج.. ومن أجل أن يعلموا أولادهم في جامعاتنا.
لماذا نصغر أكتافنا إلى هذا الحد؟.. لماذا نثير الخوف..
إن أكثر ما نحتاجه في الأردن هو صمت من يمارسون بطولات ما بعد التقاعد.. وتلك بطولات هدفها العودة للمشهد لا أكثر ولا أقل، وأظن أن الدولة مطلوب منها في هذا الظرف أن تتحرك.. ما نحتاجه اليوم هو الإيمان بالأردن أكثر من نشر الخوف والرعب والتشفي.
مدار الساعة (الرأي) ـ