أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية شهادة جاهات واعراس الموقف مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

شطناوي يكتب: من هو المؤرخ؟


د. عبدالكريم محمد شطناوي

شطناوي يكتب: من هو المؤرخ؟

مدار الساعة ـ
لقد دأب البعض على إطلاق مسميات وألقاب على أشخاص حسب لباسه أو مظهره أو عمله، من أجل التعريف به أو تمييزه أو وصفه أو تفخيمه أو تكريمه الزائد فمثلا:
يطلق اسم الشيخ على من يطلق لحيته أو يلبس عباءة ويغطي رأسه بكوفية وعقال.
ويطلق البعض لقب المؤرخ على كل من دَرَسَ أو دَرَّس مادة التاريخ أو أخذ مؤهلا عاليا فيه.
فلو أخذنا لقب المؤرخ وسألنا من هو المؤرخ؟
هل يمكننا ان نصف كل من تعلم التاريخ ثم علَّمه كمادة دراسية في مدرسة أو جامعة،أو كتب قصاصة أو دوَّن بمفكرته تاريخا عن حدث ما يُعَدُّ مؤرخا؟
هذه الأسئلة تدفعنا إلى تحديد معنى مصطلحات لها علاقة بعلم التاريخ وهي (التأريخ والتاريخ والمؤرخ)، وهي أيضا مترابطة ومتداخلة مع بعض.
فالتأريخ:
كمصطلح يعني كتابة وتدوين الأحداث والوقائع التي يمر بها كائن ما، كما أنها تشمل الظواهر الطبيعية التي تمر بها الأحداث والوقائع في نظام زمني متتابع حصلت في الماضي.
يشترط في من يكتب التاريخ إعتماد مصادر ومراجع موثوقة، كما يجب أن يتوافر فيه الحياد وعدم الإنحياز (الموضوعية)، والقدرة على قول الصدق، توخي الدقة في الحقيقة والقدرة على تحليل المعلومات والبيانات التاريخية.
وأما التاريخ:
فهو ليس كتابة تاريخ فرد، أو شعب، أمة،حادثة تاريخية فقط بل هو دراسة موضوعية للماضي كما هو موجود بالوثائق المكتوبة وأيضا جمع وتنظيم المعلومات والبيانات التاريخية.
كما يقوم بفهم وتحليل أحداث تاريخيةعن طريق منهج يصف ويسجل ما مضى من أحداث ثم يحللها ويفسرها على أسس علمية صارمة ليحدد صحتها وأهميتها في الإنسان بماضيه وأثر هذا الماضي فيه،كذلك أثر الماضي فيه،ليصل إلى حقائق تساعدعلى فهم للماضي، للحاضر والتنبؤ بالمستقبل.
والتاريخ:
كعلم يندرج تحت لواء العلوم الإنسانية،يُعنى بدراسة الماضي:
التغيرات التي حدثت على مر العصور والسنين وتشمل كل الجوانب الإجتماعية السياسية والاقتصادية، والعلمية، والدينية، كما يدرس الإنسان من خلال المواقف التاريخية.
وبناء على ذلك فإن الحادثة الإنسانية التي تشكل موضوع التاريخ هي الحادثة التاريخية التي مضت وولت وهي تتميز بأنها حالة:
* إنسانية: وذلك لأن التاريخ هو ما يحدث للإنسان وإذا كان المؤرخ يهتم بالتحولات المادية والطبيعية،فإنه يتناولها بقدر ما تحمل من دلالات تؤثر بالإنسان،
فالزلازل والفيضانات حوادث طبيعية إلا انها تدخل في عداد الحوادث التاريخية لأنها تؤثر في مصير مجموعة من الناس، وقد فرضت عليهم اهتمامات جديدة وأضافت إلى مشاغلهم مشاغل أخرى.
*اجتماعية: الإنسان ليس معزولا عن بيئته وظروفه الإجتماعية وعلاقته بالآخرين،فهو ليس إنسانا إلا بين الناس،وإن ما يحدث في التاريخ فإنه يحدث نتيجة تفاعل إنسان مع إنسان في بناء مصير مشترك،ومن هنا فإن الحادثة التاريخية تحمل هويتها الاجتماعية.
ولكي يفهمها المؤرخ فهما عميقا فإنه مضطر لوضعها في هذا السياق مبينا ارتباطاتها و تفاعلاتها الحيوية ببقية حوادث العصر.
فالقائد مثلا الذي يلمع اسمه كبطل ترتبط الأحداث باسمه هو في الواقع قائد يعبر عن إرادة الجماهير ويشق طريقه بجهده،وإن فشله أو نجاحه إنما يٌفسر بمقدار تجاوبه أو عدم تجاوبه مع الجماهيره التي نصَّبته أو نصَّب نفسه للتعبير عنها،ولذلك نقول إن البطل الذي يصنع التاريخ هو بطل ِصنْعته التاريخ.
* ذات معنى: فذلك يعود إلى ان الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يعيش بسلوك منقوش في عضويته سلفا،بل يعيش في بيئة يتفاعل بما حوله ليحمي وجوده بسلسلة من أفعال غر يزية تهيئها له بنيته العضوية والفيزيولوجية، فحياته تكرار لحياة سلفه،بيد أن الإنسان دوما يتجاوز الوضع المعطى له، كما يتحدد سلوكه بأهداف وغايات يتصورها ويهدف إليها،أي جملة المعاني التي يمنحها لحياته.
فمثلا: فالبتراء إذا عريناها من معناها الإنساني لا تبقى لها أية قيمة تاريخية لأنها تصبح كتلة مادية يمكن ان تدرس بأبعادها الهندسية او بطبيعة صخورها الجيولوجية الذي يعطيها بعدا تاريخيا، يصور الغاية التي حدت بالإنسان إلى بنائها.
ونحن عندما ندرس تاريخ البشر إنما ندرس في الواقع تلك المعاني التي جالت في نفوسهم والتصقت في آثارهم.
ولذا فإن المؤرخ مدعو ليحيا نفس الطريقة التي عاش بها الإنسان التاريخ،فالماضي ليس ماضيا وحسب نرقبه كما نرقب مادة جامدة،فكل ماض كان حاضرا بالنسبة لأولئك الذين عاشوه بحرارة وحماسة ليبنوا به مصيرهم، كما نعيش اليوم حاضرنا بحرارة وحماسة لنبني مصيرنا.
وهكذا يغدو التاريخ سلسلة الجهود المتصلة التي بذلتها البشرية لتكشف عن ذاتها،تفصح عن معناها.
* حادثة فردية: وهذا يعني أنها تحدث مرة واحدة محدودة بزمان وبظروف ودوافع معينة لا تتكرر، فمعركة اليرموك مثلا حدثت مرة واحدة لها سماتها وبواعثها الخاصة،وإذا حدثت معركة أخرى فلن تكون صورة طبق الأصل عنها،فالمحاربون ليس نفس المحاربين، والسلاح ليس نفس السلاح، والنتيجة لا تتكرر بنفس أبعادها.
ومن هنا فإننا نستطيع القول بأن الحادث الطبيعي يختلف عن الحادث التاريخي:
فالطبيعي يمكن تناوله متى شئنا،فالماء مثلا هو الماء من أكسجين وهيدروجين في كل زمان ومكان،أما نكبة البرامكة زمن الرشيد فهي حادثة مضت ولن تعود،فكأن حوادث الطبيعة تقع خارج الزمان،أما حوادث الإنسانية تقع في الزمان،زماننا الذي لا نحياه مرتين.
والمؤرخ:
هو الباحث او العالم الذي يدرس،يدون الأحداث وعلاقتها
بالجنس البشري في التاريخ عن
كثب،يسير بخطواته مستخدما منهج التاريخ يتنقل من الحاضر إلى الماضي ليكشف عنها الغطاء
لديه القدرة على التفكير، التأمل، المناقشة،تقييم الماضي، احترام الأدلة التاريخية والقدرة على الإستفادة منها لدعم تفسيراته وأحكامه.
وهو كعالم النفس في سبر غور اعماق النفس البشرية ودوافعها في الأحداث التاريخية فهو من خلال مراجعته وقراءته لما يقع تحت يديه من مصادر سواء كانت مخطوطات ووثائق...الخ فإنه يستنطقها بكشف الدوافع الخاصة بها.
ويشمل منهج التاريخ خطوات عديدة :
٠١ جمع المصادر: تحليلها ونقدها نقدا ماديا وباطنيا.
٠٢إنشاء وبناء التاريخ: وذلك منالوقائع التي حققها فالواقعة لا تحتل مكانة الا اذا أدمجت في سياقهاالزمني والمكاني،وتآلفت مع مجموع الحوادث العامة التي كانت تشكل حاضر مجتمع بشري في وقت من الأوقات، حاضرا له سماته ومعالمه و اهتماماته ونوازعه التي تجول في ضميره تحركه نحو أهدافه،
والوثائق التي بين يدي الباحث لا تفصح إلا عن حوادث جزئية وشهاداتها تكون احيانامتضاربة ومتباينة حول الحدث الواحد. والمؤرخ مضطر هنا إلى أن يشهدها جميعا وأن يستنطق كل وثيقة ويحسن الإصغاء اليها، ومضطر لأن يملأ الفجوات والثغرات التي لم تتحدث عنها الوثائق ولم يشهد عليها شاهد وهنا تتجلى عبقريته الخيالية.
والمؤرخ هنا يجمع بين الحدث العلمي والحدس الفني.
ويتطلب إنشاء التاريخ ما يلي:
*ترتيب الحوادث وهي ليست كلهاعلى درجةواحدةمن الأهمية
*ومن ثم صياغتها بصورة منسجمة ووضعها في مكانها اللائق.
*شرح التاريخ: ويعتبر المؤرخ مرجعا في هذا العلم،وهوبمثابة القاضي الذي يحكم بالعدل.
لذا فإن من أهم صفات المؤرخ:
الموضوعية:وتعني الحيادية وعدم التحيز والبعد عن الهوى والميل،ويتمتع بإحساس وذوق وعاطفة وروح التسامح.
ومن مهامه:
-جمع البيانات التاريخية من مصادر مختلفة بما في ذلك الأرشيفات،الكتب والمجلات،
المخطوطات،التحف والوثائق
-ومن ثم تحليل المعلومات والبيانات التاريخية وتفسيرها
لتحديد صحتها وأهميتها.
ومن الجدير بالذكر أن مهمة المؤرخ في دراسته وبحثه في الحوادث التاريخية بما فيها البحث عن الأنساب،المنابت والأصول عملية شاقة ليست سهلة فهو كالباحث عن ابرة في كومة من القش.
وهي عملية معقدة تتطلب علما ومنهجا وخبرة ودراية حتى لا يقع في الأخطاء وفي تشويه الأحداث التاريخية.
وبمزيد الأسف فقد امتلأت مكتباتنا بمؤلفات تناولت فيها الانساب/المنابت والأصول اعتمادا على السرد القصصي وبما رواه الأبناء والأحفاد عن الأجداد بصورة عشوائية لم تعتمد على أسلوب البحث العلمي الممنهج بخطوات مدروسة كما وضحت ذلك في صلب هذه المقالة.
وقد كان لمثل هذه المؤلفات والمنقولة عن بعضها دور كبير ببلبلة الأفكار وفقدان مصداقيتها
وعلينا أن نتنبه ونتيقظ ونَعيَ لما يُكتب ويُنشر خاصة ما قد يسيئ،وعلينا أن لا ننسى كلكم من آدم وآدم من تراب.
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).
مدار الساعة ـ