هذه ليست دعوة اعتراف أو احتفاء ب"سايكس بيكو " ، ولا انكفاء على الذات ، ولا وصفة عنصرية أو قطرية، أو تنازل عن واجب ديني أو عروبي، أو عن مصير مشترك ، أو تخاذل عن نصرة الأشقاء ، أبدا ..نحن دولة لها تاريخ يشهد على رسالتها ومرجعياتها التي استندت إلى المشروع العربي الكبير، ولها شهداء عطروا بدمائهم ثرى المشرق العربي كله، ولنا - وما يزال - مواقف يشهد عليها الصادقون في غزة وفي أنحاء فلسطين ، دعونا -إذًا- من أيدولوجية التشكيك والهمس واللمز ، ومن شعارات (لبّيك ) التي نخجل من التعليق عليها، دعونا -أيضا - من ( عاهدناك) التي لا يليق أن ترتبط الا بشهدائنا ورموزنا الوطنية.
نريد نقاش عاما ، بعيدا عن الثنائيات القاتلة ، وعن الشحن والتحشيد، نقاشا ننضبط فيه تحت عنوان الدولة الأردنية ، لا بأس، هذا هو المطلوب ، لكن قبل ذلك لابد أن نتصارح بما نحتاجه ليكون هذا النقاش جادا ومثمرا ؛ الحرب أولا يجب أن تكون قضية وطنية جامعة، نتوحد عليها لحماية بلدنا منها ، ونؤجل خلافاتنا حول كل الأطراف الأخرى التي تتداخل فيها ، عدونا الأول الكيان المحتل ، الهوية الأردنية يجب أن تكون محصنة من العبث ، الرموز الأردنية ، وفي مقدمتها العلم الأردني (لا الرايات الملونة) ، ثم المؤسسات ، وفي مقدمتها العرش والجيش ، يجب أن تكون مقدسات وطنية ، فرق كبير بين حرية التفكير والتعبير التي نريدها جميعا ، وبين أيديولوجية الإساءة وفرض الوصايات والأجندات التي تريد أن تخطف الشارع ، وتُحوّل المجتمع إلى اتباع مطيعين ، أو تحكم على الآخرين بالكفر السياسي والوطني.
تقولون : نريد من الأردن أن يقف مع المقاومة والقضية الفلسطينية ، وترفعون شعار دعم المقاومة وحماية الوطن ( لاحظ ترتيب الأولويات) نحن ، الأردنيين ، أول من دعم وأول من دفع الثمن، لكننا لا يمكن أن نغمض عيوننا على الحدود ، كما تطالبون، هذه وصفة للوقوع في " الفخ" الذي يريده لنا أعداؤنا المحتلون، لا يمكن ،أيضا، أن نفك التزاماتنا الدولية ونلغي معاهدتنا في هذه اللحظة، لأننا سنخذل صمود اشقائنا، ونحرق أوراقنا السياسية قبل أوان استخدامها، نعم ، نحترم كل من يقاوم على أرضه ونقدر صمودهم وتضحياتهم ، لكننا في دولة وليس تنظيم مقاومة ، لدينا حساباتنا وسيادتنا ، إمكانياتنا وخياراتنا، هذه كلها تقررها الدولة الأردنية ، وليس أي طرف آخر.