مما لا شك فيه أن تحرّكات سيّد البلاد الدولية واتصالاته مع زعماء العرب والعالم منحت للأردن مكانة عالمية ومصداقية عالية ووفرت شراكات دبلوماسية كبيرة وكان آخرها إعلان حلف شمال الأطلسي (الناتو) أنه سيفتتح أول مكتب اتصال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العاصمة الأردنية عَمان.
حذر مؤخراً جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين من أن الأمم المتحدة تواجه أزمة "تضرب في صميم شرعيتها، وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية"، مشيراً إلى الأزمات المتزايدة التي تعصف بالأمن والسلام الدوليين. جاء ذلك في خطابه في الجلسة العامة للدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 24 أيلول 2024.
وأضاف جلالته قائلا: "تتعرض الأمم المتحدة للهجوم، بشكل فعلي ومعنوي أيضاً. منذ قرابة العام، وعَلَم الأمم المتحدة الأزرق المرفوع فوق الملاجئ والمدارس في غزة يعجز عن حماية المدنيين الأبرياء من القصف العسكري الإسرائيلي". وقال أيضاً إن التصعيد "ليس من مصلحة أية دولة في المنطقة، ويتجلى ذلك بوضوح في التطورات الخطيرة في لبنان في الأيام القليلة الماضية. يجب أن يتوقف هذا التصعيد". ودعا أيضاً الدول إلى دعم الأردن في فرض وجود بوابة دولية "للمساعدات الإنسانية إلى غزة، كجهد إغاثي ضخم لإيصال الغذاء والمياه النظيفة والدواء وغيرها من الإمدادات الحيوية لمن هم في أمس الحاجة إليها. يجب ألا تكون المساعدات الإنسانية أداة حرب أبداً".
نمط اعتدال المنظومة الفكرية لدى جلالة الملك والاتزان الدبلوماسي هما عاملان أساسيان في فرض الأردن على المعادلة الدولية وخارطة الشرق الأوسط السياسية وفي ذات الوقت بأن يكون الأردن واحة استقرار للأمن والسلام. يتمركز سلوك جلالته مع الآخرين حول وجوده القيادي فهو قوي وموثوق وتوجيهي ومُقنع. يمتلك الملك عبد الله الثاني قدر كبير من الجُرأة والشجاعة مما يجعله يتميز في قرارته وخطواته، وهذه الجرأة جعلته يدافع عن الحق بشتى الطرق المتاحة له. لقد أجمع المقربون والمتابعون لجلالته على أنه يتمتع بسجايا ومزايا كثيرة حيث حفلت سيرته بجوانب لافتة في مختلف المجالات الإنسانية والسياسية والدبلوماسية. هذا النمط من الشخصية يمتاز بقدر من الجرأة التي غالباً ما تعكس الثقة والسُلطة وتُثير الإعجاب والامتثال من الآخرين، خاصة أن سلوكه -على الرغم من جرأته- يتسم باللّباقة، لأنه يلتزم بشدة بالأعراف والقوانين الاجتماعية والدبلوماسية الدولية.
يتمتع جلالته برؤية شاملة في التعليم والاقتصاد والعلاقات الدولية وعلاقات الشعوب ببعضها من وجهة نظر انسانية. وسيبقى التاريخ يذكر الملك عبد الله الثاني صاحب القول السديد والحكمة النافذة والحزم والتفاني لتحقيق الأهداف. حيث يتسم جلالته بقدرته على حل النزاعات وإيجاد البدائل والحلول وهذا الأمر يتطلب الصبر كما يتطلب الثبات عند مواجهة أي تحدٍ من التحديات إلى حين تجاوزه، كما أن الثبات عنده يساعده على تَقبّل الأحداث بصلابة، والتعامل مع الضغوطات والتوتر والتغييرات الطارئة. ومن صفاته الدبلوماسية هو الموضوعية، حيث يحترف جلالته التعامل مع الأشخاص والمواقف بحيادية بعيداً عن التحيّز، وعدم السماح للمواقف الشخصية السياسية بالتأثير على مواقفه العادلة، كما يرفض المحاباة لمجرد اعتبارات معينة مثل العرق، أو الجنس، أو الدين.
لقد حرص جلالة الملك على توطيد أواصر العلاقات الثنائية مع مختلف الدول والبناء عليها بما يخدم المصالح الوطنية العليا، وجعل للأردن دوراً محورياً في الشرق الأوسط لا يمكن تجاوزه، ولطالما عبر جلالته في خطاباته أمام الأمم المتحدة عبر السنوات عن مواقف الأردن الراسخة تجاه القضايا السياسية والإنسانية المحورية إقليميا ودولياً. وبالرغم من التعقيدات الواردة في خريطة العالم السياسية الاّ أن جلالته حرص على الارتقاء بمستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية المبنية على الاحترام المتبادل وتعزيز القواسم المشتركة مع دول العالم الصديقة والدول العربية الشقيقة.
تتمحور أبرز الخطوات الدبلوماسية والسياسية التي اتخذها جلالة الملك عبد الله الثاني من خلال الجولات والزيارات الخارجية والعلاقات الدولية بكسب ما يلي:
- حشد الدعم الدولي السياسي لرفع الحرب والعدوان ضد المدنيين العُزَّل في غزة والضفة الغربية الأمر الذي ساهم في تغيير لغة الخطاب الدولي تجاه القضية الفلسطينية مما نتج عنه تغيير لمواقف دول عديدة لصالح المدنيين العُزّل في غزة وفي الضفة الغربية بشكل مُجمل.
- أعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الحدث العالمي من خلال خطابه الأخير في الجلسة العامة للدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والذي وضع به العالم أمام مسؤولياته الإنسانية والقانونية تجاه معاناة الفلسطينيين.
- احترام وتقدير من العالم أجمع حتى أصبح الأردن القدوة إذ أنه استطاع من خلال جهوده الحفاظ على أمن واستقرار الساحة الداخلية والمضي في التنمية والتحديث السياسي والاقتصادي.
- إحراز تقدم ملموس في تنويع القاعدة الاقتصادية في الأردن، ومصادر الدخل، وتعزيز التوجه نحو تهيئة الاقتصاد المحلي للتعامل بمرونة وكفاءة مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.
- استقرار الأردن بالرغم من التحديات والصراعات المحيطة به، وجاء ذلك نتيجة جهود جلالة الملك عبد الله الثاني وعزيمته للحافظ على الأردن واحة أمن واستقرار وسط محيط ملتهب بالصراعات.
- التأكيد بأن الأردن يتمتع ببيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية وحاضنة إيجابية للمستثمرين ترتكز إلى ميزة الأمن والاستقرار والموارد البشرية ذات الكفاءة العالية والتشريعات التي تُلبي احتياجات السوق المحلي والمنطقة.
- التنوع في العلاقات الخارجية مما سبب في توقيع الحكومة الأردنية العديد من الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والعسكرية بالإضافة إلى تلك التي تتعلق بقطاعات السياحة والثقافة والزراعة والطاقة.
ختاماً، يُدرك جلالته أن الأردن الواقع في محيط ملتهب يحتاج إلى دبلوماسيته الفذّة وأن سعيه نحو تطوير مسار العلاقات مع جميع الدول هو رأس المال الحقيقي للأردن فهو يعرف جيداً كيف يتواصل ببلاغة وبصيرة مع الشخصيات والزعامات العالمية والعربية وإيلاء الأولوية للاهتمامات الاستراتيجية الدولية. كما يملك الرؤية الواضحة والقدرة على تحديد الهدف ويحب الاستماع الى الناس ومطالبهم عن كثب، وكلها قيم راسخة يتمتع بها جلالته من المدرستين العسكرية والدبلوماسية.