شتان بين الموقف الرسمي والشعبي الأردني تجاه اغتيال شخصيات محسوبة على المقاومة مثل إسماعيل هنية في طهران وحسن نصر الله في الضاحية الجنوبية. من الواضح أن الموقفين، سواء الرسمي أو الشعبي، يعكسان الاختلاف العميق في العلاقة السياسية والأمنية مع تلك الشخصيات والتنظيمات التي يمثلونها.
في حالة إسماعيل هنية، الموقف الشعبي الأردني كان أكثر تعاطفًا، نظرًا لأنه يمثل حماس التي يعتبرها الأردنيون امتدادًا للمقاومة الفلسطينية ضد اسرائيل. من الناحية الرسمية، الموقف الأردني تجاه حماس كان أكثر حذرًا، نظرًا لتوازنات السياسة الإقليمية والعلاقات مع دول المنطقة.
أما في حالة حسن نصر الله، فإن الموقف الأردني – سواء الرسمي أو الشعبي – كان أقل تعاطفًا وأكثر تحفظًا، نظرًا لدور حزب الله في الصراعات الإقليمية، وعلاقته الوثيقة بإيران التي تسعى لتمديد نفوذها في المنطقة. حزب الله يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه تهديد للأمن الإقليمي، بما في ذلك الأردن، بسبب ارتباطه بإيران والأنشطة التي تقوم بها الميليشيات المرتبطة به في المنطقة، مثل تهريب الأسلحة والمخدرات والعمليات الإرهابية.
التفاوت بين الموقفين يُظهر مدى تعقيد التوازنات السياسية في الأردن، التي تحكمها اعتبارات الأمن الوطني والمصالح الإقليمية والعلاقات مع دول الجوار.
في العقد الأخير، شهدت منطقة الشرق الأوسط تصاعدًا في تأثير القوى الإقليمية التي تسعى لتعزيز نفوذها من خلال وكلاء مسلحين. تعد إيران واحدة من أبرز هذه القوى، حيث استخدمت وكلاء مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين لتحقيق أهدافها الإقليمية. ومع تفاقم التوترات الإقليمية، ظهرت مؤشرات على أن الأردن أصبح هدفًا لاستراتيجية إيران التوسعية، وذلك من خلال استغلال وكلائها في المنطقة لتصعيد التهديدات على أمنه الوطني.
كانت إيران داعمًا رئيسيًا لحزب الله وحماس على مدار العقود الماضية، وقدمت الدعم المالي والعسكري لهذه الفصائل لتحقيق مصالحها الإقليمية. وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي لهؤلاء الوكلاء كان في السابق منصبًا على مواجهة إسرائيل، إلا أن هذه الفصائل، وبتوجيه إيراني، بدأت في استهداف ساحات أخرى، بما في ذلك الأردن. تستغل إيران هذه الجماعات لنقل رسائل سياسية أو لتنفيذ أعمال تخريبية وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
من أخطر الأبعاد التي تمثلها إيران ووكلاؤها على الأمن الوطني الأردني هو محاولة استهداف المملكة بالمخدرات والطائرات المسيّرة والعمليات الإرهابية. فقد شهدت الحدود الأردنية السورية وكذلك العراقية، التي تعتبر منطقة نشاط لحزب الله وغيره من الفصائل المدعومة إيرانيًا، العديد من محاولات تهريب المخدرات، وخاصة الكبتاغون، وهو ما يهدد بنشر الإدمان وتدمير المجتمع الأردني. إيران تستخدم هذه التجارة غير المشروعة كوسيلة لتمويل أنشطتها التخريبية والإرهابية في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، تشكل الطائرات المسيّرة التي يستخدمها وكلاء إيران تهديدًا مباشرًا للأمن الأردني. فهذه الطائرات، التي تم استخدامها في اليمن والعراق وسوريا، قد أصبحت أداة متقدمة في يد هذه الفصائل لتنفيذ هجمات دقيقة على أهداف استراتيجية، بما في ذلك الحدود الأردنية والمناطق الحيوية. وفي هذا السياق، تبرز مخاوف من إمكانية استهداف منشآت أمنية أو اقتصادية في الأردن، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني.
في ظل هذه الوقائع الثابتة على الأرض، والماثلة امام الأردنيين، ومع التطورات الأخيرة في اعقاب اغتيال إسرائيل لقيادات حزب الله في بيروت ودمشق وعلى راسهم حسن نصرالله، فان وجود أصوات متعاطفة مع إيران أو حزب الله داخل الأردن يعتبر تهديدًا كبيرًا على الأمن الوطني واستقرار المملكة. فمن المعروف أن الأردن يعتبر هدفًا رئيسيًا للاستراتيجيات الإيرانية في المنطقة، حيث تسعى طهران إلى توسيع نفوذها الإقليمي من خلال وكلائها، مثل حزب الله، الذي لا يزال يعتبر المملكة ساحة مفتوحة لعملياتها التخريبية والاستفزازية. ويمثل هذا التعاطف تهديدًا مزدوجًا، إذ يسهم في إضعاف الجبهة الداخلية الأردنية ويزيد من إمكانية استغلال هذه الأصوات كأدوات لنشر الدعاية الإيرانية والتأثير على الرأي العام.
من أجل مواجهة هذا الخطر، يجب على الأردن التركيز على تعزيز الوحدة الوطنية وتعزيز الثقة بين الحكومة والشعب. الوعي بأهداف إيران وحزب الله التخريبية، وتوجيه الرسائل الواضحة حول المخاطر المرتبطة بالتعاطف مع هذه الجهات، يعتبران من أهم أدوات الدفاع. كما أن دور المؤسسات الأمنية في الكشف المبكر عن أي نشاطات مشبوهة قد تستغل هذا التعاطف يظل حاسمًا.
في هذه المرحلة، يمكن وصف الأصوات المتعاطفة مع إيران أو حزب الله داخل الأردن بأنها "خجولة" وغير مؤثرة بشكل كبير على الساحة الوطنية. ومع ذلك، لا ينبغي التقليل من خطورة هذه الأصوات مهما كانت ضئيلة. من الضروري أن تظل هذه الأصوات في الحد الأدنى، لأن أي زيادة في تأثيرها قد تشكل تهديدًا أكبر للأمن الوطني والاستقرار الداخلي. المرحلة الحالية تتطلب يقظة متواصلة من قبل الحكومة والمجتمع على حد سواء لضمان أن هذه التوجهات لا تتفاقم أو تنتشر. كما يجب الاستمرار في مراقبة هذه التطورات بحذر، مع تعزيز الخطاب الوطني الذي يعزز الوحدة ويضع المصلحة الأردنية في المقدمة.
الحفاظ على هذا التعاطف في أدنى مستوياته يمثل جزءًا من جهود الأردن المستمرة في حماية أمنه الوطني، والوقوف ضد أي محاولات لاستغلال الساحة الأردنية من قبل جهات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد.