في غطرسة طاووسية, وبعد نجاحه في ضمّ غريمه السابق ومنافسه في العام 2019 على زعامة «الليكود», الحزب الفاشي الذي ما يزال يرأسه, خرجَ مجرم الحرب نتنياهو على مؤيديه وخصوصا خصومه في المعارضة, ليس فقط ليعلن أنه «جلبَ» إلى ائتلافه الفاشي, «صقراً» لا يقل فاشية وتطرفاً عنه, مع (أربعة نواب لحزبه «اليمين الرسمي»), يستطيع بها إزالة التهديد الذي طالما وجّهه له الكاهاني إيتمار بن غفير, زعيم حزب «القوة اليهودية»/ خمسة نواب. أي أصبح لدى نتنياهو ائتلاف يتوافر على 68 نائبا, لن يضيره انسحاب نواب بن غفير الخمسة, بل خصوصاً لِيعلن في استعلاء وثقة: أننا » نقوم بتغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط». مُستحضِراً على نحو لافت ما جاء في «التوراة» قائلاً: «كما هو مكتوب في التوراة, (سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم)، مُردِفاً: عندما أمرت باغتيال حسن نصر الله، كنا نعلم جميعا أن شعباً بأكمله كان وراء هذا القرار».
وإذ ارتفعت أسهم نتنياهو في آخر استطلاع أُجري, بعد اغتيال أمين عام حزب الله, ما منحه 25 مقعدا في الكنسيت, إذا ما أُجريت الانتخابات يوم الاستطلاع, (علماً ان غالبية الجمهور الصهيوني أكدت «في الاستطلاع ذاته» ان طريقة نتنياهو في إدارة الحرب، «سيّئة»، بعد نحو عام على بدئها). فيما تراجع حزب مجرم الحرب الجنرال بنيامين غانتس «المُعسكر الوطني» الى 21 مقعدا, فإن ما أدلى به نتنياهو خلال ظهوره على شاشات التلفزة مع ساعر, أكد من بين أمور أخرى, بأنه ماض قُدما في عدوانه على لبنان, ملوحا في الآن عينه أن «مُخططه» الحربي يتجاوز لبنان, الى «جبهات» أخرى من تلك الجبهات «السبع», التي زعمَ أن إسرائيل تُواجهها, عندما قال بصلف وعنجهية: «يعود أعداؤنا وأصدقاؤنا لرؤية إسرائيل كما هي: دولة قوية، حازمة، قوية», مُستطرداً: «أيها الإسرائيليون: هذه أيضا أيام صعبة. لأنه حتى هذه الأيام لا ينبغي أن ننسى, أننا لا نزال في خِضم حرب صعبة وتكاليفها باهظة».
يبقى السؤال الذي بات يشغل اهتمام الدوائر السياسية والأمنية في المنطقة, وخصوصا العواصم الغربية وعلى رأسها إمبراطورية الشر الأميركية ورئيسها الصهيوني, كما جنرالات حزب الحرب في البنتاغون, ما إذا منحت إدارة بايدن «ضوءاً أخضر جديداً لنتنياهو, للشروع في «غزو برِّي للبنان, وليس فقط لجنوبه»؟.
يتوجب علينا والحال هذه, عدم السقوط في حفرة الأوهام والأكاذيب المتمثلة بكل ما يصدر عن البيت الأبيض وبخاصة عن رئيسه, الذي يزعم فريقه اليهودي والصهيوني, انه يبذل جهوداً مكثفة لـ«منع» نتنياهو من الإقدام على خطوة كهذه, بل حصر بايدن أنه سيهاتف نتنياهو في الساعات المقبلة, ولما سأله الصحافيون ماذا ستقول له؟, أجاب باقتضاب: انه سيُخبرهم بما جرى بينهما بعد ان يهاتفه. في وقت تتواصل فيه استعدادات جيش النازية الصهيونية العسكرية واللوجيستية لعملية بريّة «وصفتها وسائل الإعلام الأميركية «لـ«التضليل», بأنها ستكون «محدودة».
فهل ثمة أدنى درجات الصدقية في الثرثرة الأميركية؟.
الجواب تعكسه التصريحات «الحربية» والعدوانية التي تصدر عن البيت الأبيض والبنتاغون, وما تسربه وسائل إعلامها المرتبطة بالدوائر الإستخبارية, كما تفضحه الخطوات الإجرائية والميدانية والعملية واللوجستية وحشد الأساطيل والأصول العسكرية, التي إتّخذتها وما تزال تواصل اتخاذها إدارة الرئيس الأميركي الآفلة, لـ«حماية» الوحش الصهيوني وتعزيز ألة القتل العسكرية خاصته, التي تواصل حرب الإبادة والتهجير والتجويع في قطاع غزة والصفة الغربية, وكما يحدث الآن في لبنان الشقيق, من قصف وإغتيالات وحرائق وخراب وتدمير, بما في ذلك محو قرى وأحياء وبلدات ومدن فيه.
أما على الجانب الصهيوني الذي يعيش حالاً غير مسبوقة من النشوة, والشعور المتزايد بـ«التفوّق اليهودي» وقدراته الخارقة, فثمة دعوات متزايدة لـ«اغتنام الفرصة», والمضي قدما في الإجهاز على حزب الله, بل «إحراق» نعم إحراق, كامل منطقة جنوب نهر الليطاني وجعلها غير قاباة للعيش فيها, لتكون منطقة عازلة يتواجد فيها عدد مُحدد من الجيش اللبناني, مع زيادة عديد قوات اليونيفيل الدولية. وتنطلق دعوات كهذه من دوائر عسكرية وأمنية في دولة العدو الصهيوني على النحو الذي إستندت إليه صحيفة «هآرتس» الصهيونية أول من أمس عندما نقلت على لسان مصدر عسكري: أن العدوان على لبنان يجب أن يستمر، «بل ويُؤيد إجراء مناورة/عملية برية، لأنها في رأيه «الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها إعادة سكان الشمال إلى منازلهم». وبحسب المصدر: «إذا توقّف القتال في هذه المرحلة، فستتمكن إيران من إعادة بناء قدرات حزب الله, التي تضررت بشكل كبير في الأسبوعين الماضيين» وفق زعمه. كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين في المؤسسة «الأمنية، لم تُسمّهم»، قولهم:إن «نافذة زمنية محدودة قد فُتحت الآن لتوغّل بري، وهو ما قد يضيع ـ أضافَ ـ إذا تمكّن التنظيم من التعافي, وإعادة تأهيل نفسه من الضربات التي تعرض لها».
في السطر الأخير من السابق لأوانه أخذ كل ما يُطلقه نتنياهو من مزاعم وأكاذيب وادعاءت, بقدرة تل أبيب على إحداث تغيير «استراتيجي» جوهري, في واقع الشرق الأوسط,, على محمل الجد. ليس فقط في المقاومة التي سيواجهها على الأرض اللبنانية, بل خصوصا ان إدارة بايدن أعجز من ان تتورط في مغامرة كهذه, تدرك أكثر من غيرها, أنها لن تكون مختلفة عمّا واجهته من هزائم في العراق وأفغانستان.. والأيام ستروي.
kharroub@jpf.com.jo