مدار الساعة - كتبت: دعاء الزيود -
في خطوة لافتة تمثل مزيجًا من الشجاعة والحكمة، ألقت جلالة الملكة رانيا العبدالله كلمة مؤثرة خلال قمة "عالم شاب واحد" بمونتريال، مخاطبة العالم والشباب بشكل خاص، عن واحد من أكثر الصراعات تعقيدًا ودموية في العالم الحديث: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. جاءت كلمة الملكة لتؤكد مرة أخرى على ضرورة التصدي للاحتلال الإسرائيلي الذي دام لأكثر من نصف قرن، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المهدورة، وهو ما يعكس رؤية ملكية واضحة تلامس الواقع وتفند أوجه الظلم بتفصيل دقيق. تمكنت جلالة الملكة رانيا بحنكة سياسية وإحساس عميق بالمسؤولية من لفت أنظار العالم إلى الواقع المؤلم الذي يعيشه الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، بدءًا من الضم القسري للأراضي، والحصار الخانق المفروض على غزة، وصولًا إلى الهجمات العنيفة التي ينفذها المستوطنون في الضفة الغربية. بكلماتها الدقيقة والمباشرة، أرادت الملكة أن تذكر المجتمع الدولي بأن المأساة الفلسطينية ليست مجرد حدث عابر، بل هي جزء من النظام العالمي الحالي الذي فشل في حماية حقوق الإنسان وإحقاق العدالة.
أبرزت جلالتها الحصار المفروض على غزة، واصفة إياه بأنه عقاب جماعي غير مقبول، ينتهك جميع مبادئ القانون الدولي والإنساني. تحدثت عن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، حيث يعاني الأطفال والنساء والرجال من حرمان تام من مقومات الحياة الأساسية، معتبرة أن هذا الحصار يمثل سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر الروح المعنوية للشعب الفلسطيني. كما أشارت إلى استهداف المنشآت الحيوية كالمستشفيات والمدارس وحتى دور العبادة، في محاولة لتفكيك المجتمع الفلسطيني وتدمير كل مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية.
في رسالة مفعمة بالأمل، وجهت الملكة رانيا كلمتها إلى الشباب، محذرة من الانجرار وراء أصوات التطرف التي تسعى لتشويه مسار السلام. أكدت جلالتها أن الأمل هو الخيار الوحيد المتاح في هذه اللحظة الحرجة، وأن على الشباب أن يتبنوا قضية الشعب الفلسطيني كما لو كانت قضيتهم الخاصة، من منطلق إنساني وأخلاقي. هذا النداء الملكي للشباب جاء ليمثل تحديًا لهم، ليس فقط لفهم تاريخ الصراع، ولكن أيضًا لقيادة التغيير نحو مستقبل أكثر عدالة.
لم تكتفِ الملكة رانيا بالدعوة إلى السلام فقط، بل شددت على أن السلام المنشود يجب أن يكون قائمًا على أسس العدالة واحترام الكرامة الإنسانية، رافضة أي حلول تجميلية لا تعالج جذور الصراع المتمثلة في الاحتلال الإسرائيلي. أكدت أن العالم لا يمكنه البقاء صامتًا أمام الفظائع التي ترتكب بحق الفلسطينيين، ودعت إلى اتخاذ موقف دولي حازم يعيد الأمل إلى الشعب الفلسطيني ويضمن حقه في تقرير مصيره.
ما يجعل هذا الخطاب استثنائيًا هو ليس فقط أنه جاء من شخصية ملكية لها تأثيرها الواسع، بل لأنه وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية. خطاب الملكة رانيا كان بمثابة صرخة تحذير للعالم بأن تجاهل حقوق الفلسطينيين لن يجلب سوى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. ولعل أكثر ما يميز هذا الخطاب هو تلك النظرة التحليلية التي قدمتها جلالتها، والتي حاولت من خلالها تقديم رؤية متكاملة وشاملة حول الواقع الحالي، محذرة من تداعيات استمرار الصمت الدولي.
في نهاية كلمتها، وضعت الملكة رانيا الشباب أمام مسؤولية تاريخية، حيث قالت: "الخيار بيدكم"، محذرة من أن التاريخ لن يرحم من وقف على الحياد في هذه اللحظة الحرجة. لقد دعتهم لاتخاذ موقف أخلاقي وإنساني، سواء كانوا مرتبطين بالشرق الأوسط أم لا، معتبرة أن دعم القضية الفلسطينية هو مسألة تتعلق بالإنسانية والعدالة. هذه الدعوة هي بمثابة تأكيد على أن السلام العادل والشامل لن يتحقق إلا إذا وقف الشباب، أينما كانوا، في وجه الظلم والاحتلال، واختاروا دعم القيم الإنسانية التي نتشاركها جميعًا.