لا جديد على هيكل السياسة المالية مع تعيين الوزير الجديد، فهو أمين عام للوزارة منذ ست سنوات، وهو مشارك رئيسي في كل القرارات خلال السنوات السابقة، وبالتالي فإن الاستمرارية على النهج ذاته هي السمة الأبرز للمرحلة المقبلة.
لكن تداعيات أزمة حرب غزة منذ شهر تشرين الأول من العام الماضي ألقت بظلال قاتمة على الاقتصاد الوطني، وبدأت تظهر مشاكل مالية تتطلب تحركًا غير عادي ليس فقط من وزير المالية تحديدًا، بقدر ما هي تحديات وملفات تتطلب تفهمًا عميقًا من كافة أعضاء مجلس الوزراء عامة.
هناك ملفات عالقة وتحديات تفرض نفسها على المشهد الاقتصادي، وأولى تلك الملفات قضية المتأخرات المالية التي تراكمت على الخزينة منذ عام تقريبًا، والتي تجاوزت فعلاً المليار دينار على أقل تقدير.
قضية المتأخرات مسألة خطيرة، لأنها تتعلق بقطاعات اقتصادية عديدة تأثرت سلبًا بعدم تحصيل حقوقها المالية من الوزارة، مثل شركات الأدوية ومصفاة البترول، والأكثر خطورة هو تأخر صرف رديات الضريبة للمكلفين الملتزمين.
القضية الأخرى تتعلق بوقف النزيف الحاصل في إيرادات الخزينة منذ الربع الأخير من العام الماضي، ورغم أن الحكومة السابقة اتخذت قرارات تتعلق بضبط الإنفاق بنسبة 15 % ورفع الضريبة الخاصة على المركبات والسجائر، إلا أن المردود المالي لهذه الإجراءات سيكون محدودًا لهذا العام، بسبب التأخر في اتخاذ تلك القرارات التي كان من المفترض أن تتخذ قبل عدة شهور.
هذا يقودنا للحديث عن قانون موازنة 2024 والوصول إلى المؤشرات المالية المستهدفة فيه، والتي يبدو أن تحقيقها سيواجه صعوبات بالغة بسبب تراجع الإيرادات وتنامي العجز، وهذا بحد ذاته تحدٍ كبير أمام الحكومة للبحث في كيفية العودة إلى تحقيق أهداف الموازنة العامة، وقد يكون ذلك ممكنًا في حال اتخاذ بعض الإجراءات المالية والحصول على مساعدات استثنائية لدعم الموازنة، مثل المنحة الأميركية المتوقعة للخزينة مع نهاية هذا العام بقيمة 400 مليون دولار، فالتقديرات الأولية تشير إلى أن عجز الموازنة سيتجاوز 700 مليون دينار عما هو مقدر في قانون الموازنة لهذا العام، ولذلك بات من المؤكد أن تعيد الحكومة تقديرا عالي المستوى للأرقام الفعلية في موازنة العام الحالي مع تقديمها لمشروع قانون موازنة 2025، الذي من المفترض أن يكون جاهزًا مع نهاية الشهر المقبل.
التحدي الأكبر أمام وزارة المالية خاصة والحكومة عامة هو الاستمرار في عملية الإصلاح الضريبي التي بدأت منذ عام 2019، والتي شكلت العمود الفقري للإصلاح المالي في السنوات الأخيرة، حيث كانت قصة نجاح متميزة في تطورها وتوسيع قاعدة الشمول الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي بكافة أشكاله.
لا يمكن لوزارة المالية أن تعمل بمفردها في ظل هذه التحديات الكبيرة، وأن تواجه الملفات المقبلة دون مساندة وتفهم حقيقي من كافة الوزراء، حيث يتطلب ذلك منهم أن يضعوا نصب أعينهم أن عمليات ضبط النفقات التي لا تحقق قيمة مضافة للاقتصاد هي أولوية يجب على الجميع تحقيقها والوصول إليها، فتعزيز الاستقرار المالي هو هدف منشود وغالي الثمن يجب الحفاظ عليه بتفهم كافة أعضاء مجلس الوزراء بلا استثناء، فهي مسؤولية مشتركة يتحملها الجميع، وليست فقط وزارة المالية.